جواسيس في مصر

TT

«أنا مش هاقعد على قهوة تاني».

«بجد أنا باشكر تلفزيون بلدي اللي قدر يكشفلي خطر الجاسوسية وإني أدي معلومات ببلاش للجواسيس».

«يا جماعة أرجوكم ما حدش يقع بلسانه قدام حد أجنبي ويقول إن مصر حَر معظم أيام السنة».

سخر وضحك وغضب ناشطو مصر كثيرا على مواقع «تويتر» و«فيس بوك» مما تم التعارف عليه بأنه «إعلان الجاسوس» الذي بثه التلفزيون المصري واضطر سريعا لتوقيفه والتراجع عنه. وحتى بعد وقف الإعلان فقد أنشأ النشطاء «هاشتاغ» باسم «Really» على «تويتر» لأنها الكلمة الإنجليزية الوحيدة التي نطق بها الشاب الأشقر الذي يفترض أنه يقوم بدور الجاسوس. ويبدو أن النكات والانتقادات اللاذعة التي ووجه بها الإعلان نجحت في منع مصر من الانزلاق خلف حملة تحريض مجانية ضد الأجانب.

«كل كلمة بثمن.. الكلمة تنقذ وطن».. إعلان حمل خواص السذاجة والعنصرية بشكل فاضح من خلال إيحائه بأن الأجانب الذين يزورون مصر ويختلطون بشعبها في المقاهي والأماكن العامة هم جواسيس. وقد برر مسؤولو قنوات التلفزيون المصري إنتاج هذا الإعلان بأن مصر بات يدخلها اليوم أعداد كبيرة من الأجانب تحت عناوين المجتمع المدني والإعلام، وأن المصريين «كرماء» في الكلام فيقدمون معلومات مجانية عن البلد.

وعليه؛ فمن كان منا يزور مصر ويسارع للاختلاط بأهلها وسماع أحوالهم التي يتابعها أصلا عبر الإعلام والإنترنت، فعليه أن يبدل سريعا من «حشريته» هذه ويتوقف عنها حتى لا يثير غضب المصريين، باعتبار أن هذا الفضول هو من ارتكابات الجواسيس.

الإعلان، الذي قالت مصادر في التلفزيون المصري لوكالات الأنباء إن «جهات سيادية» في مصر كانت وراء إنتاجه، يظهر ضيقا بواحدة من أهم خواص الثورة المصرية؛ التعبير عن الرأي.

وللحقيقة فإن وقوف «جهات سيادية» خلف شريط دعائي فيه خطاب تحريضي مرفوض مهنيا وإنسانيا وأخلاقيا يدفع إلى مزيد من التساؤل والريبة حيال بقاء منظومة الحكم الذي ثار ضده المصريون. ومن ضمن مشاهد الإعلان شابة تتشح بوشاح وفي خلفية الصورة عبارة «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية» وهو أحد أبرز شعارات الثورة.

إنه إذن الإيحاء بأن شباب الثورة من يسرّب «أسرار» الوطن إلى «الجواسيس».

صحيح أن الإعلان تم سحبه، لكن يجب التأمل مليا في المضامين التي وقفت وراء بثه في الأصل. ففكرة أن كل سائح أو زائر يشعر بالفضول للتعرف على البلد وأهله هو غريب وجاسوس ويجب الحذر منه تبدو انحدارا كبيرا لدى «الجهات السيادية» التي أنتجت هذا العمل. ويبدو أن هناك في مصر من لا يزال يعتقد أن الإعلام الرسمي هو مصدر الحقيقة وعلى المصريين تقبل ما يقوله. بل إن المقاهي المصرية الشهيرة هي ليست للحديث في السياسة، بل للتندر حول المسرحيات والأفلام، ربما من منطلق الحذر من قول الأمور كما هي، على قاعدة «الحيطان لها ودان».

لحسن الحظ، خسرت «الجهات السيادية» في مصر معركة كانت يمكن أن تكون كارثية عليها وعلى المصريين.

diana@ asharqalawsat.com