اشتهاء الكابوس

TT

تكثر عليّ هذه الأيام أحلام ثقيلة ولكن من دون كوابيس. أراني أحيانا في أماكن لا أعرفها من لندن، ضائعا لا أعرف طريقي. في أحلام أخرى أرى أشخاصا لا أريد رؤيتهم. مرات أرى أصدقاء غائبين أتمنى أن يطول حضورهم في الحلم لكنهم يختفون سريعا. أفيق في اليوم التالي متألما أو حانقا، شديد الانزعاج. أرى ضوء النهار لكنني أظل إلى ساعات في أثر الحلم المنغص. وأحيانا يرافقني الانزعاج طوال النهار. وأفكر في نفسي، ماذا فعلت لكي أستحق هذا النوع من العقاب أو الألم؟ بمن ألحقت الأذى؟ إلى من أسأت؟

أما خارج الحلم وفي وقائع النهار فإنني أشعر بذنب عظيم إذا قصرت في الاتصال بصديق عزيز. وأخجل من نفسي فيصعب عليّ الاعتذار. ثم يتحول الشعور بالخجل إلى تقصير أو ذنب مضاعف. وقد حاولت كثيرا الخروج من هذا الطبع الضعيف. واستشرت أصدقاء في عالم الطب. لكن الطبيب ينصحك ولا يستطيع الدخول إلى أحاسيسك. لا يستطيع أن يقنعك بأن الفقير الذي لم تستطع مساعدته في الطريق ليس مسؤوليتك وحدك. سوف يمر به مائة رجل آخر.

رؤى اليقظة أقل قسوة من ترائيات الأحلام، لأنك تستطيع اتخاذ قرار فيها. والكوابيس تنتهي بسرعة لأنها توقظك من النوم. الضيق هو في الأحلام اللزجة التي لا هي يقظة ولا هو كابوس. تترك في فمي طوال النهار طعم الجفاف والإحساس بأنها تعتدي على سكينتي بدون مبرر. هناك أناس أبغض أن أتشاجر معهم حتى في الحلم، وهناك من يضايقني عبورهم إلى عالمي حتى في الحلم.

أتخيل دائما ماذا يرى في نومهم أولئك الذين يحزون أعناق الأطفال ويبقرون بطونهم. وقبل ذلك كيف ينامون أصلا؟ وبأي مياه يغسلون الدماء عن ثيابهم وعن أيديهم؟ كيف يتناولون طعام العشاء بعد المذابح؟ كيف يقبلون أطفالهم؟ من أين يشترون لهم الهدايا والثياب؟ كيف ينظرون في عيونهم؟ ما هو شعورهم عندما يهرعون إليهم في الليل من رؤية حلم مخيف؟ ما هي الأحلام التي تخيف الأطفال؟ أن يسقط عصفور عن الشجرة؟ أن يقع حمل في بركة مياه؟ أن تتساقط أوراق ياسمينة فوق بحرة دمشقية قبل حلول الخريف؟

ما هو طعم الجفاف في حلوقهم في اليوم التالي؟ بأي عين ينظرون إلى أمهات أولادهم وإلى أمهاتهم؟ ما هو الطعام الذي تعده الزوجة للسفاح العائد من المجزرة؟ ماذا يمكن أن يشبعه؟ ماذا فعلتم بسوريا؟