«ربيع» يقاوم محاولات وأده

TT

بعد أن كان الحديث عن بوادر انزلاق سوريا إلى حرب أهلية شاملة يدور في نطاق التحذيرات، أصبح اليوم احتمالا واردا أكثر من أي وقت مضى. وإذا كان كشف وزير الخارجية البريطاني، ويليام هيغ، عن أن سوريا باتت «على شفير حرب أهلية طائفية»، وأن قرى سورية متجاورة «تتبادل الهجوم وتتقاتل فيما بينها»، يكتسي أهمية خاصة، فمرد ذلك صدوره عن مسؤول غربي يستقي معلوماته من تقارير دبلوماسية واستخباراتية لدولة تتابع عن كثب تطور الأحداث في سوريا.

مجزرة الحولة «الوحشية» - في وصف النظام والمعارضة لها - وما تبعها من مجزرة لا تقل عنها وحشية في بلدة القبير، وما تردد عن مجزرة أخرى في بلدة الحفة، مقدمات مقلقة للوضع الممكن أن ينزلق إليه الصراع على السلطة في سوريا، فليس أنسب من هكذا مجازر وقودا لإشعال حرب أهلية - طائفية. والمقلق أن خلفيات هذه المجازر ووتيرة تكرارها لا توحي بأنها تندرج في خانة أحداث دموية طارئة، بل في إطار مخطط ممنهج لتحويل ما بدأ انتفاضة إصلاحية في الشارع السوري إلى حرب مذهبية لن تقتصر تداعياتها على سوريا فحسب.

الإسراع في وقف المجازر الدورية والمتنقلة في سوريا بات أولوية إنسانية تتجاوز المواقف السياسية الضيقة من أحداثها، خصوصا أن أجواء دول الشرق الأوسط بأكملها لم تعد «بمنأى» عن مناخ الاحتقان الطائفي الحاد الذي تشيعه أخبار المجازر السورية وتفاصيلها البشعة.

من هنا التساؤل: هل هي مجرد صدفة أن تعم ظاهرة الصراعات المذهبية معظم دول الشرق الأوسط في القرن الحادي والعشرين أم أن يدا إقليمية توقد نيرانها سعيا لإعادة ترتيب موازين القوى في المنطقة؟

العراق اكتوى بنيرانها، واليمن احترق بأتونها، والبحرين ولبنان وحتى الكويت تلظظوا بلهيبها... واليوم جاء دور سوريا لتحمل حروقها.

لو جاز ضبط ساعة الوضع الراهن في الشرق الأوسط على توقيت الساعة الأوروبية لصح وقف عقاربها عند العام 1572، عام المجازر الكاثوليكية - البروتستانتية في فرنسا التي عرفت بمجازر «سانت بارتيليمي».. فهل جاء دورنا لأن نعيش بدورنا الصراعات الدامية التي استمرت عقودا طويلة بين أبناء مذهبي الكنيسة المسيحية الواحدة.. إلى أن ننعم يوما بـ«عصر تنوير» يغير وجه المنطقة كما غير وجه أوروبا وينقل مجتمعها - كما نقل المجتمع الأوروبي - من مناخ القرون الوسطى إلى عصر التسامح الديني؟

هل يعقل أن يعيش الشرق الأوسط، اليوم، قرونه الوسطى فيما كان المنتظر انتصار طروحات «الربيع العربي» المدنية - الديمقراطية ؟

وهل بات انتقال معظم دول «الربيع العربي» من عهد الديكتاتورية العسكرية الفردية إلى حكم الأحزاب الشمولية الدينية (بمختلف تسمياتها) مؤشرا لمناخ «قومي» عام قد ينسحب على سوريا أيضا؟

هنا بيت القصيد، فسوريا لا تزال الدولة الوحيدة المرشحة، بحكم تعدديتها الدينية - الإثنية وشريحتها المثقفة، لأن تتجاوز التيارات الطائفية التحتية وتحقق الطروحات المدنية - الديمقراطية «للربيع العربي»، ما قد يفسر دفعها دفعا نحو حرب يصفونها بـ«الأهلية»، فيما بوادرها الأولية تشير إلى أنها ستكون حربا مذهبية بامتياز... بدليل ما حدث في بلدات الحولة والقبير والحفة، وما يحدث في شمال لبنان من عمليات خطف «على الهوية».

لا تعود خطورة «مذهبة» الانتفاضة السورية إلى تعددية مجتمعها بقدر ما تعود إلى محاولة القضاء على «ربيع» وحيد ما زال واعدا في العالم العربي، وهو وعد أكده حرص المجلس الوطني السوري على انتهاج الأصول الديمقراطية في تعامله مع استقالة رئيسه السابق، برهان غليون، وانتخاب خلف له من الأقلية الكردية.

قد يقول قائل: طالبنا بالديمقراطية في الداخل السوري... فجاءتنا من خارجه. إلا أن عبرتها لن تفوت المتفائلين بمستقبل ديمقراطي - مدني لسوريا حال تسلم المعارضة مقاليد الحكم.