محاكم استثنائية

TT

قبل فترة ليست بالطويلة، وفي عام 2003 تحديدا، وقت أن كان حزب العدالة والتنمية الحاكم لا يزال «غض الإهاب»، في لعبة القوة السياسية التركية، كان الرئيس الحالي عبد الله غل هو من طالب بإلغاء المحاكم الاستثنائية.

من الذي أراد استمرار المحاكم الاستثنائية في ذلك الوقت؟ كان الرئيس التركي والمعارضة آنذاك. لماذا؟ لأن هذه المحاكم كانت تلعب دورا جوهريا في الدفاع عن النظام، وما إن تمت الإطاحة بالإسلاميين، كانت هناك حاجة إلى استمرار هذه المحاكم، ولكن باسم جديد.

وفي عام 2003، عندما تعرضت تركيا لضغوط من المجتمع الأوروبي لإلغاء محاكم أمن الدولة المروعة، ومن ثم قامت حكومة حزب العدالة والتنمية، التي أظهرت مهارة موروثة في الخداع، بحل تلك المحاكم وأنشأت المحاكم الحالية وأضفت عليها سلطات استثنائية. فما الاختلاف؟ ليس سوى الاسم، لكن تغيير الاسم ساعد حزب العدالة والتنمية في خداع الأوروبيين.

تبدلت الأدوار عما كانت عليه قبل عشر سنوات، الآن يريد الكماليون والوطنيون إلغاء المحاكم الخاصة، في الوقت الذي يبدي فيه الإسلامي فتح الله كولن، رغبة في الحفاظ عليها ويشكو رئيس الوزراء من أن هذه المحاكم (الخاضعة لتأثير قوى للإخوان المسلمين) أصبحت دولة داخل الدولة.

لم يقف حزب العدالة والتنمية في وجه المحاولة الأخيرة للجيش لوضع السياسات بمذكرة إلكترونية في وقت متأخر من مساء 28 أبريل (نيسان) وفقط، لكنه شن حربا انتقامية شاملة لتعزيز قبضته على البلاد. وربما يكون من قبيل المبالغة الاعتقاد بأن العقيدة الكمالية اندحرت أو تلاشت من البلاد، إلا أن الحقيقة هي أن الإسلاميين الحاليين بكل المشاحنات والخلافات الداخلية سيتواصلون في الحكم لفترة طويلة من الوقت.

نتيجة التغيرات في بنية المحكمة العليا، حظيت المحكمة بسلطات استثنائية، بل وخضعت المحاكم العليا لسيطرة كاملة لا للكماليين، بل للآيديولوجية الإسلامية الحاكمة. من ناحية أخرى، أظهرت انتخابات عام 2011، أن واحدا من بين كل اثنين من الأتراك يدعم رئيس الوزراء وحزب العدالة والتنمية. هل كان ذلك السبب في الثقة الزائدة التي يتحلى بها رئيس الوزراء وبدأ في الشعور بالغضب بشأن تقاسم السلطة مع كولن؟

كان الجميع يعلم تقريبا، أن المحكمة والحملة الانتقامية ضد الكماليين والقوميين شارك فيها غير الحكومة، فقد لعب الإخوان المسلمون دورا فاعلا في هذه المحاكم. وعندما حاولت ذات المحكمة مطاردة مدير الاستخبارات، المقرب من رئيس الوزراء، ظهر خلاف بين رئيس الوزراء والإخوان المسلمين. إن الرئيس بحاجة إلى تدجين المحاكم الاستثنائية، لكن الإخوان المسلمين يرون أن مثل هذه الخطوة تمثل خطورة على المعركة مع العلمانيين والكماليين.

لقد تعلم حزب العدالة والتنمية من التجربة المريرة بأن المحاكم الاستثنائية هي استثناء ولا تخضع على الدوام لسيطرة كاملة من الحكومة. والآن، هل ستلغي الحكومة المحاكم الاستثنائية الظالمة وغير الديمقراطية أم هل ستخضع لضغوط الإخوان المسلمين في الحفاظ عليها؟ أم ستواصل «الدولة داخل الدولة» وستطال هذه المرة حزب العدالة والتنمية؟

هل ستخوض الحكومة هذه الحرب مع الإخوان المسلمين؟ على الأرجح ستكون الإجابة «لا»، لكن رئيس الوزراء كان دائما شخصا لا يمكن التنبؤ به.

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية