مصر.. نكسة أم تصحيح؟

TT

من ينظر للصورة الكبرى في مصر، وبعيدا عن المواقف المسبقة، أو ما تردده بعض وسائل الإعلام من كليشيهات، واستطلاعات منتقاة من الشارع، يجد أن مصر اليوم، وبعد حل البرلمان بحكم المحكمة الدستورية، باتت أمام نقطة تحول خطرة، فإما أن تكون مصر أمام نكسة، لا قدر الله، وإما أنها أمام خطوة تصحيحية مهمة.

اليوم سقطت الأوهام، وما أكثرها بمصر، وخارجها من المهتمين بالشأن المصري، ومن أبرز الأوهام التي سقطت الحديث عن الاتفاق السري بين الإخوان المسلمين والمجلس العسكري، كما سقط وهم تأثير «المليونيات»، و«تويتر» و«فيس بوك»، وقائمة طويلة من الأوهام التي تغلف الأجواء المصرية منذ سقوط نظام مبارك. والقصة ليست قصة أوهام فقط، بل انكشفت الأخطاء التي ارتكبها الجميع هناك، سواء من ثوار، أو قوى سياسية أخرى. ومنها، بل وعلى رأسها، الإخوان المسلمون، حيث تناسى الجميع أن هناك كتلة عريضة في مصر لا تظهر في ميدان التحرير أو غيره من الميادين الافتراضية على وسائل التواصل الاجتماعي، ولديها، أي تلك الكتلة، مخاوف حقيقية من واقع مصر اليوم، ومستقبلها، فهل تتعمق الأزمة وينهار الاقتصاد بشكل كامل؟ وهذا أمر خطر ووارد. وهل تصبح مصر دولة دينية؟ وهذا يعني أن أمام المصريين عقودا من الأزمات، التي لا يعلم مداها إلا الله.

أسئلة كبيرة، من الواضح أن معظم القوى السياسية لم تستوعبها جيدا؛ حيث كانت بعض تلك القوى غارقة في أحلامها الوردية، بينما كان الإخوان يتغولون على كل فرصة تتاح بمصر، من البرلمان لمجلس الشورى، وحتى الرئاسة، واللجنة الدستورية، في عملية غباء سياسي ليس لها نظير؛ حيث ثبت أن الإخوان يجيدون فن المناكفة والمماحكة، ولكنهم يفتقرون تماما للدهاء السياسي. ناهيك بالعقلانية السياسية، ومفهوم الدولة، وإفراز نخب من رجال الدولة.

ومن هنا فإن قبول المصريين بحكم المحكمة الدستورية القاضي بحل البرلمان، والشروع في المشاركة بحيوية بالجولة الثانية لإعادة الانتخابات الرئاسية، مع التمييز جيدا بين خيار الدولة المدنية والدولة الدينية، وكذلك شروع القوى السياسية المبعثرة، وتحديدا الشباب، بلم صفوفهم استعدادا للانتخابات البرلمانية القادمة، وبالطبع قبلها معركة كتابة الدستور، فإن ذلك كله يعني أن مصر أمام حركة تصحيح مهمة وكبرى، وسيستفيد منها الجميع، والأهم من أي أحد أن مصر نفسها ستستفيد، خصوصا أن على المصريين أن يتنبهوا إلى أنهم قد كسبوا اليوم مؤسسة قوية، ومحترمة، وهي مؤسسة القضاء، التي وقفت للرئيس السابق مبارك أيما وقفة، أو قل وقفات.

إما أن يدخل المصريون في حفلة تخوين، وتراشق، ويستمروا بنسج الأوهام حول اتفاقيات سرية، وخلافه، بين أطراف بالمجتمع المصري، وإما أن يقوموا بمقاطعة الانتخابات الرئاسية، أو الترويج لقصة «فلول» و«إسلاميين»، بدلا من دولة مدنية ودولة دينية، فإن ذلك كله يعني للأسف أن مصر مقبلة على نكسة شديدة، وليس حركة تصحيح! ولذا فإن المفروض اليوم أن تعيد القوى السياسية النظر فيما ارتكبته من أخطاء، وتعيد ترتيب صفوفها لأن الفرصة جاءت مرة ثانية، وهي نادرا ما تأتي.

[email protected]