غارودي: قرن من التحولات

TT

ولد روجيه غارودي في مرسيليا عام 1913 في عائلة عمالية من الملحدين. لكن في الرابعة عشرة اعتنق المذهب البروتستانتي، الذي لم يتخل عنه عندما انضم إلى الحزب الشيوعي. غير أنه انتقل لاحقا إلى المذهب الكاثوليكي المناهض. وفي عام 1981 اعتنق الإسلام.

عندما توفي يوم الخميس الماضي في إحدى ضواحي باريس عن 98 عاما، كان غارودي قد عاش قرنا من التحولات السياسية والفكرية: عضوا في مجلس النواب، عضوا في مجلس الشيوخ، زعيما في الحزب الشيوعي، سجينا في حرب المقاومة ضد النازيين، أستاذا مرموقا للفلسفة في جامعات فرنسا.

أثار غارودي من حوله الكثير من الضجيج في كل مرحلة من مراحل حياته. خرج من الحزب الشيوعي مطرودا لأنه أيد «ربيع براغ» عام 1968. وقامت عليه ضجة كبرى في أوروبا بسبب نفيه لـ«المحرقة النازية» قائلا إنها من اختراع إسرائيل. وانصرف بكليته إلى دعم القضية الفلسطينية، كما تزوج من سيدة فلسطينية وعاش معها في جنيف.

في مرساه الأخير جال غارودي على العواصم العربية وطهران، في عهد الرئيس المستنير أحمد خاتمي. وربطته علاقة صداقة مع الشيخ أحمد ياسين. وفي جميع المراحل انصرف غارودي إلى مهمته الأولى: الكتابة. وهو يترك نحو 40 مؤلفا تعكس تحولاته ومتغيرات القرن الذي عاشه. وفي شرحه لاعتناق الإسلام بعد البروتستانتية والكثلكة والشيوعية أثار غارودي موجة من الحوارات والنقاشات الفلسفية في أوروبا. ووُجد دائما إلى جانبه صديق لا يتوانى، هو الكاهن الشهير «الأب بيار» الذي عرف بـ«أبي الرحمة» في فرنسا.

دافع الأب بيار عن غارودي في موقفه من المحرقة كما دافع عنه في اعتناق الإسلام، ووضع المقدمات لبعض كتبه. واتهم الأب بيار «اللوبي الصهيوني العالمي» بالوقوف وراء الحملة على الصديق الذي يعرفه منذ عام 1950.

في جميع مراحله كان غارودي، تلميذ الفلسفة وأستاذها، رجل فكر وعمق. وعندما كان عضوا في المكتب السياسي للحزب الشيوعي، عين رئيسا لمركز الأبحاث الماركسية في الحزب، وهو منصب آيديولوجي بالغ الدقة والأهمية آنذاك. انتقل إلى الإسلام بعد رحلة طويلة في الآيديولوجيات والعقائد. وجال حول العالم يحاضر في الأمر. وله في ذلك كتابات كثيرة يشرح فيها أسباب اللقاء الأخير مع الإيمان.