هل يلقن العرب حكومة «المسقوف» درسا تأديبيا؟

TT

«المسقوف» كلمة جرى تداولها باللهجة العامية في العراق منتصف القرن الماضي، وهي مشتقة من كلمة «موسكو»، ويقصد بها الروس. وأذكر أن والدي كانت لديه بندقية مسقوفية من مخلفات العدوان الروسي على شعوب غرب الاتحاد السوفياتي، الذي سقط نتيجة الحرب الباردة الغربية والخليجية التي شنت على المد الأحمر. وبعد أن تفكك ذلك الاتحاد القسري العدواني الاحتلالي، الذي خُدع به «الثوريون» العرب، عملت دول عربية على تأسيس علاقة جديدة مع دولة روسيا «الاتحادية»، وذلك لتحقيق شكل من أشكال التوازن في علاقاتها الدولية، ولتشجيع الدولة الجديدة على تبني سياسات متوازنة مع المصالح العربية، بما في ذلك تشجيع صناعاتها العسكرية المتخلفة قياسا بتكنولوجيا الأسلحة الغربية.

وعلى الرغم من المواقف الإيجابية العربية، والاستبشار خيرا بالمتغيرات في الوضع، بعد تفكك الاتحاد السوفياتي، لم تتخذ الحكومة الروسية موقفا إيجابيا واحدا تجاه تطلعات «الشعوب العربية» وحكومات الاعتدال العربي (ولا غرابة في استخدام تسمية الشعوب العربية بدل الشعب العربي، فهناك من يستخدم كلمة الشعوب العراقية مثلا!)، فضلا عن الممارسات البوليسية في البلدان التي تحتلها بقوة النار والحديد، وعمليات المخابرات في بطن آسيا.

هؤلاء الحمر الجدد، سليلو القمع الدموي الستاليني، بحاجة إلى درس عربي يكون بعيدا عن العنف والتهديد، ويعتمد العقاب السياسي والثقافي والاقتصادي، والدعم المعنوي للشعوب الواقعة تحت الظلم الأحمر، لتلحق بهم هزيمة يستحقونها، تمنعهم من التمادي في عدوانيتهم التي بدأت بحربهم غير المتكافئة على جمهورية جورجيا، التي جابهت آلة حرب تتعدى قدراتها المتواضعة.

ولا تزال الحكومة الروسية تعتمد مبدأ التجسس السافر في كثير من دول العالم، وتتخذ مواقف تخالف المبادئ الإنسانية. فعرقلت حماية الشعوب المظلومة، وعززت النظم الاستبدادية في أكثر من مكان، وعطلت مجلس الأمن، وحولت المجتمع الدولي إلى شريك بكل ما يدفع إلى الإحباط وما يترتب عليه من مواقف.

التعامل السعودي مع السلوك الروسي يعطي مقدمة مناسبة لخطوات تتصاعد تدريجيا في ضوء السلوك المقابل. ويفترض أن تكون السياسات الحكومية مركز طاقة لسياسة رفض أشمل. فالمواقف الجماهيرية تدفع الحكومات إلى اتخاذ قرارات ترتقي إلى مستوى المسؤولية، وهذا أحد انعكاسات الربيع العربي. وينتظر عودة مصر إلى موقعها الريادي العربي، وتجاوز حالة التقوقع القطري التي فرضتها الأحداث الداخلية.

ومع أننا في زمن الثوريات والشعارات وقفنا ضد سياسات الرئيس المصري أنور السادات، فإن الأحداث أثبتت أن طرده للخبراء العسكريين الروس كان قرارا صائبا من الناحية الاستراتيجية، لأن وجودهم لم يكن مخلا بمقتضيات الأمن فحسب، بل جاء تجسيدا للتخلص من التبعية ومن المماطلات بمختلف المجالات. وما أذكره عن لقاءات التسليح التي حضرتها مع السوفيات، أنها كانت مملة وغير صادقة وتتسم بالاستعلائية، ولم يكن الجنرالات المفاوضون صادقين في أقوالهم، شأنهم شأن مخابراتهم التي تعطي ما تريد أن تعطيه من معلومات، وتحجب ما لا يناسب مخططاتها وغاياتها، وهذا لا ينطبق (كثيرا) على الأميركيين.

الدول العربية مطالبة بتخفيف نشاطاتها الدبلوماسية مع الحكومة الروسية، ومطالبة بوقف مشتريات السلاح الروسي. وعندئذ لن تجد المصانع أسواقا بديلة لتسويق أسلحة لا يمكن التعامل معها على أساس المقارنة مع الأسلحة الغربية. ومن الخطأ قبول إقامة مشاريع نفطية روسية، وذلك لحرمان الحكومة الروسية من قدرة تأثير إضافية في سوق الغاز والنفط ومنتجاته. وينبغي التفكير في زيادة روابط التعاون النفطي مع الغرب، فقد أثبتت بريطانيا ودول أوروبا الغربية قدرة تفاعل إيجابي مع طموحات الربيع العربي. ولولا بريطانيا وفرنسا لما أزيح كابوس القذافي عن الشعب الليبي.

وينبغي أخذ معاناة الشعوب الواقعة تحت الاحتلال الروسي على محمل الجد، ومناصرتها سياسيا ومعنويا وبكل ما يتفق مع المفهوم العام لحقوق الإنسان، وعدم ترك مثل هذه المهمة على عاتق الدول الغربية فقط. فالعرب أولى بالوقوف في وجه السياسات الروسية، ولن يتمكن الروس من التأثير على الوضع العربي أكثر مما يقومون به الآن، والشعوب العربية بطبيعتها بعيدة عن التأثر بما يقوله الروس لأسباب عدة. لذلك لا ضرورة للحذر الزائد.

القلوب والضمائر التي لا تتأثر برؤية موت الأطفال على يد القتلة تستحق العقاب لتكون عبرة، ولكي لا تستهين بدماء الأبرياء، ومن يختار تكوين محور شر لا بد أن يواجه بما يستحق.