مدرسة نايف: الأمن بمفهومه الشامل

TT

لم تكن المملكة العربية السعودية، ومنذ أن تأسست قبل أكثر من قرن، لتصبح من الدول المتميزة في نظامها الأمني، لو لم تجعل منه على مدار العقود الركن الأول المساند للحكم، بعد أن كانت الجزيرة العربية فيما مضى مضرب المثل في الفوضى والافتقار إلى الاستقرار.

الأمن بالنسبة لهذه الدولة على وجه الخصوص، هو الوجه الآخر لرسوخ الكيان، وهو صمام الطمأنينة للحج والحرمين، وهو الضامن الرئيسي للصادرات النفطية، السلعة الأهم لاقتصاد العالم ولدخل البلاد، ومن هنا كان للأمن الأولوية القصوى للدولة عند إعلان توحيدها، فتأسست وزارة الداخلية السعودية في العام نفسه الذي بدأ فيه تكوين الوزارات، عام 1932م، جنبا إلى جنب مع إنشاء وزارة الخارجية، واختير للتعاقب عليها أفضل القيادات، بدءا بالأمير فيصل بن عبد العزيز وانتهاء بالأمير فهد بن عبد العزيز، الذي اصطفى أخاه القوي نايف نائبا له طيلة عمله وزيرا للداخلية، قبل أن يصبح بعدها وليا للعهد في عهد الملك خالد.

نايف تعلم نظريات الأمن في مدرستين؛ الأولى في إمارة الرياض التي تولّاها لأعوام طويلة، ثم في مدرسة أخيه فهد، لكنه اختط لنفسه، فيما بعد، مدرسة قائمة بذاتها، تنظر إلى الأمن نظرة شاملة، بمفهومه السياسي والاجتماعي والاقتصادي والإعلامي، لدرجة جعلت وزارة الداخلية الحاضن الأول والقاسم المشترك لكثير من مفاصل الإدارة، أخذا بالاعتبار الجوانب الإنسانية لكل هذه المفاصل الحيوية.

وعلى خلاف كثير من مفاهيم وزارة الداخلية في بعض الدول، بقيت وزارة الداخلية السعودية بالنسبة للمواطن المحلي الكلمة المرادفة للأمن الاجتماعي، وكانت حتى وقت قريب جدا متاحة للجميع، مفتوحة لكل المواطنين والمقيمين والمراجعين، في صفو لم يعكره في العقد الأخير سوى لسعات الإرهاب.

وارتبط اسم نايف بالمجتمع الثقافي، على مدار ربع قرن من عمله الأمني والسياسي، برئاسة المجلس الأعلى للإعلام، وهو الهيئة التي ظلت تمثّل السلطة التنظيمية لشؤون الإعلام، والحد الفاصل بين طرفي العملية الإعلامية، التنفيذية والرقابية، وذلك إلى أن صار مجلس الشورى بعد إحداثه يقوم بشيء من هذا الاختصاص.

والذين عرفوا نايف عن قرب، أو في وسائل الإعلام، وإن اضطر في السنوات الأخيرة إلى أن يغلّب خط الحزم في مواجهة موجة الإرهاب العالمي والداخلي، فإنهم لم يروا فيه يوما (شكلا أو منطقا أو تعاملا) إلا ذلك الإنسان الذي يخجلك بخطابه وودّه ولطف معشره، وكان من أدل مظاهر سماته غير المتكلفة أنه ظل، على الرغم من الظروف الأمنية، ذلك الذي يستجيب للدعوات، ويحرص على القيام بالواجبات الاجتماعية والإنسانية مع الجميع، ويتجه في أحاديثه وجهة ثقافية بعيدة كل البعد عن الوظيفة وعن المسؤوليات الأمنية اليومية.

كان نايف، كما ذكرت، مَجمع السلطات الأمنية، وحاضن الأمن الوطني بمفهومه الشامل، لكنه كان يُعرف بانتقاء العبارة، وباختيار لغة الخطاب. لا تصدر أحكامه إلا عن رويّة، ولا رؤاه إلا عن حكمة، تخلو مواقفه وتصرفاته من الصلف والتشنج، يقرأ الأمور بكثير من الهدوء والموضوعية، ولهذه السمات المختلفة كان عن جدارة رجل الأمن المختلف، الذي وجد فيه الملك عبد الله الرجل السداد، وحاز على احترام وافر بين الجميع، وسيظل منهجه المتميز والثابت في التلازم بين الأمن والسياسة، فكرا يُدرّس في أكاديميات الأمن بالمفهوم الأوسع في مقبل الأعوام.

* إعلامي سعودي وعضو

سابق في مجلس الشورى