النظام الإيراني.. عندما ينقلب السحر على الساحر!

TT

أوصل قادة إيران بلادهم وشعبهم إلى طريق مسدود لا يمكّنهم من الرجوع إلى الوراء لاستعادة الأنفاس بسبب سياستهم الخارجية المتهورة التي تنطلق من مبدأ لا يجاري التطورات السياسية في العالم المعاصر في العلاقات بين الدول، وهو مبدأ تصدير الثورة، وصية نائب إمامهم المنتظر، وبدل أن يعتبروا بالذي حدث لهم في حربهم مع العراق التي استمرت عشر سنوات وما جرى عليهم من ويلات ومشكلات سياسية واقتصادية جلبوها لشعبهم الذي يزداد فقرا على فقر نتيجة لتمسكهم بهذا المبدأ، وبدل أن يصدروا الثورة كما يدعون، قاموا بتصدير مشكلاتهم السياسية والاقتصادية إلى جيرانهم ودول محيطهم الشرق أوسطي عملا بمبدأ «عليّ وعلى أعدائي»، واستمروا في طغيانهم وجبروتهم الهش، وبعد الغزو الأميركي للعراق الذي جلب الطائفية البغيضة للعراق وجعله فريسة سهلة وفتت العراق الموحد، وجد قادة إيران الفرصة سانحة لهم لتحقيق أحلامهم ومشروعهم «الطموح» الذي عجزوا عن تحقيقه بالحرب، وبعد أن توطدت أقدامهم في سوريا ولبنان قاموا بمد نفوذهم إلى العراق، ولم يتوقفوا عند ذلك وإنما أخذتهم العزة بالإثم وانفتحت شهيتهم أكثر في فترة «الربيع العربي» فقاموا بالتدخل في شؤون البحرين الداخلية عبر عملائهم من أتباع ولاية الفقيه، معتقدين أن الفرصة أصبحت سانحة لهم للالتفاف على دول الخليج العربي عبر بوابة البحرين، وحدث ما حدث في البحرين في 14-2-2011، وشرق المملكة العربية السعودية، وما فطنوا أن السحر لا بد له يوما أن ينقلب على الساحر، فإذا بالثورة العربية الكبرى تتفجر في سوريا والتي هي أم ثورات «الربيع العربي» وما تيقنوا أن يحدث ما حدث، فإذا بأحلامهم تنقلب عليهم إلى كوابيس وتدور الدائرة عليهم ويصبحون في حيرة من أمرهم، وخاصة أنهم غير مستعدين لمثل هذا التغيير الدراماتيكي.

بذلك أوقعت إيران نفسها داخل ثلاث دوائر إن تمكنت من إخراج نفسها من دائرة منها فلن تخرج من الدائرتين الأخريين، أما الدائرة الأولى فها هو اقتصادهم يختنق بسبب العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليهم دول حلف الناتو وأميركا نتيجة لبرنامجهم النووي، والتي يبدو أن نهايتها غير غريبة، حيث تسببت في أن يصبح برميل النفط الإيراني يباع لروسيا بأبخس الأسعار، فقد «اتلم المنحوس على خايب الرجا». وفي آخر التطورات في هذه القضية قالت الوكالة الدولية للطاقة الذرية إنه لم يحدث أي تقدم في المحادثات مع إيران بشأن إجراء تحقيق في أنشطة طهران النووية، ووصفت نتائجها بأنها مخيبة للآمال، وهو ما أكده نائب مدير عام الوكالة الدولية هرمان ناكيرتس الذي قال: «حضر فريق الوكالة الاجتماع بروح بناءة وبرغبة ونية تهدف إلى إنهاء المسألة. قدمنا مسودة عكسية تناولت مخاوف إيران السابق إعلانها. لكن لم يحدث أي تقدم، وبالطبع أثيرت القضايا التي ناقشناها بالفعل، وأضيفت قضايا جديدة. إنها مخيبة للآمال. لم يتحدد موعد اجتماع للمتابعة. شكرا». وهذا يعني استمرارا للعقوبات وانحدار اقتصادهم يوما بعد يوم إلى حافة الهاوية.

أما الدائرة الثانية فهي إسرائيل، حيث إن الضربة الإسرائيلية لمفاعلهم النووي قادمة لا محالة وإن طالت، لأن إسرائيل تريد أن تغتنم هذه الفرصة لترد الصاع صاعين، وذلك بسبب أولا أن إسرائيل تنظر إلى أن امتلاك إيران للسلاح النووي تهديد لأمنها، وثانيا الدعم الإيراني لحزب الله اللبناني في الجنوب وما تعرضت له مستوطناتها في حرب أغسطس (آب) 2006 من هجمات صاروخية من حزب الله، ومن ذلك الوقت فإن إسرائيل تعد العدة ليس لحزب الله، وإنما لإيران وبذلك فإن إسرائيل كما قال نتنياهو لن تنتظر الولايات المتحدة في اتخاذ موقف نحو إيران، وقبلها دعا رئيس الوزراء الإسرائيلي الدول الكبرى إلى التشدد حيال إيران بشأن برنامجها النووي. ومن هنا نقول إن كل المؤشرات تؤكد أن إسرائيل عازمة على اتخاذ إجراء عسكري تجاه إيران والأرجح أن يكون على هيئة ضربة عسكرية خاطفة للمنشآت النووية الإيرانية، وأن المسألة هي مسألة وقت فقط، وخاصة أن إسرائيل أكثر تفوقا في سلاح الطيران من إيران التي تتمركز نقطة الضعف فيها في سلاحها الجوي، وهذا ما سوف تثبته الفترة القادمة.

أما الدائرة الثالثة التي وجدت إيران متورطة فيها وهي الأخطر والتي إذا ما تحققت فسوف تقصم ظهر إيران، فهي الثورة السورية، فإذا ما انتصرت الثورة السورية حيث إن النظام السوري في أيامه الأخيرة، فإن إيران رمت بكل ثقلها وأوراقها مع النظام السوري منذ بدء الثورة ابتداء بالأسلحة وحرس الثورة الذي يصل إلى سوريا عبر العراق، وما المذابح البشعة التي تعرض لها الشعب السوري مؤخرا إلا بسبب هذا الدعم ودخول حزب الله اللبناني لإبادة الطائفة السنية في سوريا.

وفي أحد تصريحات هيلاري كلينتون الذي جاء متأخرا في مؤتمر إسطنبول الأخير، قالت إنه «من الصعب جدا أن نتصور أن بلدا كإيران يلعب دورا متطرفا في دعم وارتكاب العنف يمكن أن يكون بناء في وقف العنف»، هذا التصريح يعني خوف الإدارة الأميركية من النتائج التي قد تترتب على نجاح الثورة السورية والتي قد تقلب موازين القوى في المنطقة، وبالتالي لا بد من الإسراع في احتضان الثورة، وذلك لن يحدث إلا بتهميش الدور الإيراني تجاه الثورة السورية، وأن تسرع أميركا في عملية إجراء تغيير «ديمقراطي» في سوريا كما حدث في بقية ثورات «الربيع العربي». في جميع الحالات فإن إيران بدأت تشعر بأنها مستهدفة لا محالة، وأن وضعها الإقليمي أصبح حرجا، والأيام القادمة ستكشف كيف أن السحر بدأ ينقلب على الساحر.

* باحث أكاديمي بحريني