السلفيون وغيرهم وتقاطع المصالح!

TT

رغم أن الأشهر الأخيرة لم تخل من أحداث محدودة ومتفرقة في المكان والزمان، حملت إمضاء جماعات موصوفة بـ«السلفية»، فإن الأحداث الأخيرة التي شهدتها تونس، والتي أدت إلى فرض حظر التجول مع ما يعنيه مثل هذا الإجراء من خطورة الوضع، قد فاجأت الكثير سواء من حيث توقيتها أو السبب المباشر لظهورها.

ولعل أول نقطة من المهم الانطلاق منها هي كون الاحتجاج العنيف الذي عبرت عنه ومارسته مجموعات «سلفية» بتعلة وجود لوحات داخل معرض فني تمس بالمقدسات قد سبقتها إشارات جدية، يعتبر جزءا مهما من المجتمع المدني في تونس أن الحكومة لم تتعامل معها على النحو اللازم وخيرت - أي الحكومة - عدم تهويل الأمر محاولة بذلك تفويت الفرصة على خصومها وعدم الدخول في مواجهة مباشرة مع الجماعات السلفية.

والملاحظ أن الأحداث المتفرقة السابقة (قضية قناة نسمة بسبب عرضها «برسيبوليس» وفيلم نادية الفاني الأخير وتكرر دعوات إهدار الدم لأكثر من شخصية تونسية) لم تكن موجهة ضد الحكومة في حين أن الأحداث الأخيرة قد استهدفت فيها الجماعات السلفية الحكومة بشكل واضح وصريح، وذلك من خلال حرق مراكز أمنية عدة والاعتداء على محاكم. بل يمكن الاستنتاج بأن الاحتجاج العنيف الذي قامت به هذه المجموعات يستهدف الترويكا الحاكمة، وهي رسالة التقطتها الحكومة جيدا وسريعا وردت عليها بتبني الحل الأمني واستخدام حق الدولة في الاستئثار بممارسة القوة الرادعة واعتبارها جماعات خارجة عن القانون ومهددة لمؤسسات الدولة وللمواطنين. فالتوقيت الذي جاءت فيه هذه الأحداث ضاعف من وزنها داخليا وخارجيا من منطلق أنها تزامنت مع موعد إجراء الامتحانات وانطلاق الموسم السياحي الصيفي وفي أوج تحركات الحكومة داخل الجهات من أجل تقديم مشاريعها التنموية وإثبات جديتها في محاولة إيجاد الحلول.

ومن ثم، فإنه بقدر ما تبدو الأسباب الحقيقية غامضة ومركبة وأيضا الفاعل غير محدد بدقة، فإن الطرف المستهدف أي الحكومة التي تمثل فيها حركة النهضة أغلبية نسبية يبدو مسألة واضحة.

لذلك من الصعب الاقتناع بأن سبب الاحتجاج العنيف للجماعات المحسوبة كلها على السلفيين، يعود فقط إلى لوحات فنية مع العلم أن هناك روايات تؤكد أن المعرض لم يتضمن اللوحات التي قيل إنها مسيئة للمقدسات الدينية وهو ما يزيد في تأكيد فكرة أن المعرض لم يكن أكثر من تعلة وحجة مفبركة وأن الأسباب الحقيقية أكبر وأعمق وأنها ذات مضامين احتجاجية سياسية بالأساس لأطراف مختلفة ومتنوعة آيديولوجيا وسياسيا وجدت نفسها في موقف ينطبق عليه ما يسمى تقاطع المصالح.

ومهما يكن من خفايا تحركات السلفيين وغيرهم وأسرارها، فإن الموقف بشكل عام لا يخلو من ارتباكات وحيرة في خصوص التعاطي الأمثل مع موضوع حساس جدا، خصوصا أن الجماعات السلفية تسيطر منذ أشهر على بعض الأحياء الشعبية وتسعى إلى فرض سلوك ديني بعينه باستعمال القوة وتهديد السلم الاجتماعي. والسؤال الذي يفرض نفسه: هل فعلا هناك حركة سلفية في تونس واضحة المعالم والتنظيم بصدد التشكل والتزايد أم أن الأمر ليس أكثر من بعض جماعات تتحرك بالنيابة عن أطراف أخرى، ومن ثم فهي ورقة داخل لعبة كاملة مما قد يعني أن تلك الأحداث تعبر عن صراع سياسي حامل لقناع ديني؟