الأمير نايف ضامن الأمان لحجاج بيت الله الحرام

TT

في الوقت الذي بدأ عشرات الألوف من المسلمين في الأمتين الاستعداد منذ الآن لشهر الصوم (من 20 يوليو/ تموز إلى 18 أغسطس/ آب 2012)، ثم بعد ذلك ببضعة أسابيع التوجه إلى تأدية فريضة العمر وهي الحج إلى بيت الله الحرام والتبرك بزيارة مثوى خاتم الأنبياء صلى الله عليه وسلم، يأتي هؤلاء النبأ الذي أدخل مسحة من الحزن في نفوسهم والمتمثل برحيل الأمير نايف بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي ورجل الدولة التي كانت أيام الفريضة وأمن حجاج بيت الله الحرام ضمن أولويات أجندة سنواته المديدة وزيرا للداخلية.

كان رحيل الأمير نايف (78 سنة) من حيث الزمن والظروف الصحية التي انتهت بالوفاة يوم السبت 16 يونيو (حزيران) 2012 قريب الشبه برحيل أخيه الملك خالد بن عبد العزيز طيب الله ثراه، ذلك أن ثالث الملوك الأبناء توفي عن 71 سنة قبل ثلاثين سنة وفي الثالث عشر من الشهر نفسه (يونيو 1982) بعد معاناة مع المرض خضع للعلاج منه في بريطانيا وأميركا، ثم عاد ليلقى وجه ربه وهو يصلي الصبح جالسا على كرسي، حيث كانت أجريت له عملية في ركبته في الطائف التي جاء إليها من الرياض.

ومن خلال متابعة إيقاعات المسؤوليات التي تولاها الأمير نايف خلال السنة الوحيدة التي شغل فيها منصب أمير الرياض في زمن أخيه الملك سعود ثم نائبا لوزير الداخلية في زمن أخيه الملك فيصل ثم وزيرا للداخلية في زمن أخيه الملك خالد وبعد ذلك شقيقه الملك فهد (رحمة الله على الجميع) ثم في عهد أخيه الملك عبد الله بن عبد العزيز أطال الله عمره، الذي اختاره بعد رحيل الأمير سلطان وليا للعهد مع احتفاظه بمنصب وزير الداخلية، نرى أن الأمير نايف هو أحد المجلين في ثلاث مدارس في الحكم، اقتبس منها وأثراها. ولم يقتصر ذلك على الواقع المحلي وإنما زرع في أوساط أهل الأمن العربي ما يجوز اعتبارها رؤية للتعامل مع حالات المخاطر تجمع بين التأني واستمالة من أصابتهم لوعة العنف إلى سواء السبيل، وبما سمي «المناصحة» التي دخلت قاموس التعامل بين صاحب السلطة والمواطن كأسلوب غير مألوف ونقيض ما يجري في الأمتين، حيث المواطن المقبوض عليه بالشبهة أو للاحتراز في نظر جلادي تلك الأقبية هو مجرم ومن دون أن يثبت العكس.

وثمة ما يستوجب التأمل في طبيعة نظرية الأمن العربي وفق رؤية الأمير نايف لها، فهو قبل تتويجه عميدا لوزراء الداخلية العرب بحكم توليه المنصب في المملكة طوال ثمانية وثلاثين عاما، أي أقل ثماني سنوات من إجمالي سنواته كحامل مسؤوليات في الدولة، كان دائم الحرص على نحو ما سمعناه من وزراء داخلية عرب على تحييد هؤلاء بصفة كونهم مسؤولين عن أمن شعوبهم وأوطانهم، عن الخلافات التي بين الحكومات. ومن هنا فإنه في الوقت الذي يكون التأزم في أوج حدته بين الحكومات تكون هنالك مساحة تشاور من جانب وزراء الداخلية العرب في أكثر من مناسبة مع الأمير نايف طلبا للتوسط أو النصح أو حتى، إذا جاز القول، للتحكيم. وبعدما استقر أمر العلاج بوصفة «المناصحة» وأثمرت هذه الوصفة حالات شفاء بالمئات، أصاب بعض أهل الحكم في دول عربية الندم لأنهم لم يسارعوا إلى اعتماد هذه الوصفة، تاركين «دولة الأقبية» تعالج على طريقتها فينتهي الأمر عداوة مستحكمة بين المواطن والدولة. كما أن حالات تساقط حدثت وكان ما نشير إليه أحد المسببات.

إلى ذلك، كانت رموز أمنية كثيرة في دول ذات علاقات وثيقة مع المملكة تحرص على أن تقف على هذه التجربة المتميزة في دنيا الأمن التي بات الأمير نايف بن عبد العزيز رمزا لها، والتي تتشابه من حيث الاستمرارية في المنصب الواحد مع تلك التجربة الدبلوماسية للشيخ صباح الأحمد، والتي كان التكريم للحالتين نوعا من التكريم للثبات والوضوح والمواكبة بواقعية لما يحصل في العالم وينعكس على منطقة الخليج. وما نقصده بالتكريم كان إسناد منصب أمير البلاد في الكويت للشيخ صباح، أطال الله عمره، وإسناد ولاية العهد في المملكة العربية السعودية للأمير نايف بن عبد العزيز، رحمه الله.

تبقى الإشارة إلى أمرين؛ الأول هو أن مواراة جثمان الأمير نايف «مقبرة العدل» في مكة المكرمة تبدو كما لو أنها تجاوب مع رغبة حبيسة في صدور ملايين مسلمين أدوا فريضة الحج بكل الأمان الذي حققه لهم الأمير نايف الذي كان الحج الماضي شهادة مسك الختام لجهود طالما بذلها من أجل حجاج بيت الله الحرام، وكذلك رغبة ملايين لاحقين سيؤدون الفريضة وقد بنى لهم الأمير نايف بن عبد العزيز الأساس الأمني الذي يجعلهم في غاية الرضا. ولطالما كانت بعض أقواله في المؤتمر الصحافي السنوي الذي يعقده خلال موسم الحج بصفة مسؤوليته رئيسا للجنة الحج العليا وبالذات خلال أربع عشرة سنة عصيبة عاشتها الأمتان (بين 1415 و1429هـ)، توضح لماذا تلك الرغبة حبيسة في صدور الحجاج، وفحواها أن يكون مثوى أميرهم العزيز في رحاب مكة المكرمة.

وهذه الأقوال تستحق وحدها نوعا من التحليل الذي كنت بدأت كتابته عن تجربة الأمير نايف، ليكون فصلا في الجزء الثاني من ثلاثيتي حول «النهج السعودي في ترويض الأزمات والصراعات»، التي صدر الكتاب الأول منها في عام 2011 بعنوان «خادم الحرمين حارس الأمتين. أمر الله يا عبد الله». ثم جاء النبأ الحزين وبالتالي يسجل القلم هذه الكلمة - التحية - الشهادة حول رحيل رجل دولة كثير التميز ومقدام كتب له أن يوارى الثرى في أرض مقدسة وفي رحاب بيت الله الحرام، الذين كانوا ماضيا ودائما حاضرين في «أجندته» التي تشكل إنجازاتها علامات ذات دلالات في التاريخ العربي والإسلامي الحديث.