نايف إلى رحمة الله

TT

ارتبط اسم الأمير الراحل نايف بن عبد العزيز، ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، بأمن السعودية، فقد كان هذا الأمر هاجسه الأكبر، وتمكن بطريقته ورؤيته من تكريس مفهوم جديد ومهم لعلاقة المواطن بوزارة الداخلية وبتكريس الأمن والاستقرار في مواجهات مهمة وخطيرة مع مختلف أشكال التطرف والإرهاب والمخاطر بشتى صورها. تطور أداء وزارة الداخلية في عهده، وأحدث الكثير من الإضافات في الوزارة المحورية بالبلاد، وباتت أجهزة مثل حرس الحدود والدفاع المدني وأمن الطرق والجوازات والأحوال المدنية والسجون والمرور وغيرها معروفة بتحسن أدائها وتطورها في علاقتها مع المواطن السعودي.

اهتم الأمير نايف بالعديد من الملفات الحيوية في إدارة شؤون البلاد. كان معنيا لفترة طويلة جدا بملف العمل والعمال، وبالإعلام والسياحة والحج، وكانت له في كل هذه المواضيع الحيوية على مستوى البلاد رؤيته وآراؤه وبصمته التي أدت إلى إضافة وتغيير نوعي في السياسات والتشريعات الخاصة بها. كانت له رؤية معينة تخص سياسة البلاد، هي أن كل شيء قابل للحديث والأخذ والعطاء والسجال فيه إلا الأمن فهو خط أحمر لا مجال فيه للمساومة ولا التضحية بأي جزء منه، فهو بالتالي مسألة غير قابلة للجدال.

كان مهتما جدا بالتواصل مع معلميه، والمقربون منه يعرفون أنه كان يبدأ زيارة مكة المكرمة بالمرور على منزل معلمه الشيخ الراحل عبد الله خياط للسلام عليه، وهكذا كان وفيا مع الكثير من رموز البلاد ممن خدموا في مواقع مختلفة بصدق وأمانة وتفان. كان واسع الصدر، دقيقا في كلماته، وصبورا، ومتعمقا. كان قياديا محنكا، أدار أجهزة إدارية حساسة في ظروف صعبة جدا، ونجح نجاحا كبيرا بشهادة العالم.

وسيترك الأمير نايف بن عبد العزيز فراغا كبيرا في مؤسسة الدولة بالسعودية، فقد كان رجلا استثنائيا وصاحب حضور كبير واضح الملامح. تعامل معه المسؤولون والطلبة والمثقفون والشباب والكهول فلقوا منه القبول والتواصل والإجابة وسعة الصدر. كان أول من انتبه وتنبه لتحدي توطين الوظائف، ورعى أول توجه جاد للسعودة، وكان حريصا على متابعة ذلك، وكان ينظر لمسألة البطالة على أنها تحدٍ استراتيجي للتنمية في البلاد، وأن المجتمع عليه مواجهتها متحدا تماما كما واجه الحرب على الإرهاب بجدارة.

رعى، وبنجاح كبير، برنامجا وجائزة خاصة للسنة النبوية الشريفة لتشجيع حفظ ورعاية الحديث الشريف وحماية السنة النبوية، على صاحبها أزكى صلاة وأتم سلام. كان رجلا لديه حس خاص مع الناس، وصاحب مجلس مفتوح في وزارته، ويحرص على مقابلة المواطنين والتواصل معهم في زياراته التفقدية المختلفة حول مناطق المملكة المختلفة. حتى في علاقاته الخارجية كانت له بصمة واضحة مع دول مهمة مثل تونس والجزائر والبحرين على سبيل المثال، وكذلك كان لقيادته اللافتة لاتحاد وزراء الداخلية العرب دور مهم جدا في التنسيق والتعاون الأمني الفعال بين هذه الدول التي بالكاد تتفق على أي شيء، ومع ذلك كان هناك الحد الأدنى المطلوب والناجح، الذي حقق بفعالية الشيء الكثير. ووقف بصلابة وقوة أمام التهديدات الإيرانية بحق السعودية مرات كثيرة، وأمام التهديدات الإيرانية بحق الإمارات والكويت والبحرين.

تمرس الأمير نايف في تجارب كثيرة، وكان سياسيا ومن صناع القرار السعودي بامتياز. عرف عنه الحكمة والصبر وسعة الصدر في قراراته قبل اتخاذها، وسيتذكره السعوديون الذين سترتبط به عندهم فكرة الأمن الذي يحيونه نتاج مجهوده هو ووقفته الصلبة أمام التهديدات الإرهابية التي كانت قد أرعبت الناس لفترة ليست بالقصيرة.

تغمد الله الأمير نايف بن عبد العزيز بالرحمة والمغفرة الواسعة، وأسكنه فسيح جناته، وألهم الأهل والشعب الصبر والسلوان. إنا لله وإنا إليه راجعون.

[email protected]