متى تجوز المقارنة؟

TT

نميل، بأغلبيتنا إلى المقارنة بين سلوكنا وسلوك الدول الأخرى. أو بالأحرى، الشعوب الأخرى. فإذا جرى استفتاء وطني في السويد حول قلع شجرة قديمة، كتب أحدنا يقارن باقتلاع الغابات وحلق الخضرة ونشر الاسمنت في لبنان. وإذا حوكم رجل مثل جوليان أسانج بتهمة الاغتصاب أو المراودة، قام من يكتب مقارنا مع حالات الاغتصاب الجماعي يتلوه القتل الجماعي أيضا، في حمص.

تجوز المقارنة فقط في التشابه أو التكافؤ. نحن شعوب نعيش في مبان عالية مثل الأوروبيين لكن مقاييسنا لم ترتفع عن الأقبية. ونحن شعوب تطلب الحرية كوسيلة إلى عبودية جديدة. نطالب بالقانون لكن ليس بالعدالة ولا بالإنصاف، وإنما كأداة قمع وإلغاء للآخر، ونطالب بالرغيف وليس بالعمل.

المسألة ليست في الحاكم بل في الآلاف التي تهتف له «بالروح بالدم». والمطلوب ليس الروح ولا الدم. ليس الموت في سبيل رجل سوف تخرج عليه الجماهير نفسها في أول سانحة حقيقية. المطلوب هو الحياة الكريمة في سبيل وطن كريم. والمطلوب هو الخروج من الفقر والذل والانتقال من حكم المخافر إلى حكم القانون.

ثمة خطأ مريع في أن يكون للشعب مطلب واحد هو إزهاق روحه وبذل دمه لرجل واحد. ما الداعي إلى ذلك وما الفائدة منه؟ قام البريطانيون هذا العام لأن الموازنة فرضت بنسا واحدا على استهلاك معين. بأي حق تجردونني من بنس واحد. هل تجوز المقارنة بينهم وبين الجائعين العرب الذين يصرون أن يبذلوا - فوق بؤسهم - أرواحهم ودماءهم؟ لقاء ماذا؟ وماذا تشكو باقة ورد بدل آلاف الجثث كعربون امتنان وشكر. امتنان على ماذا؟ هل هي مغالاة في الكذب أم مبادلة في البضاعة؟

كيف يقبل حاكم على نفسه وبلده أن يهتف له الناس «بالروح، بالدم». ألا يكفي الصمت والصبر وإلغاء النفس وتسليم جميع الكرامات الشخصية إلى المخافر؟ قبل الدخول في المقارنة والتشبيه، يجب أن نتأكد من تساوي المعطيات. القبعة التي يعتمرها السويدي لحسن الهندام ليست القبعة التي يعتمرها الفلاح العربي طوال العمر لاتقاء حر الشمس ورأسه في الأرض لا يرفعه إلا ليهتف: بالروح. بالدم.

لأي نوع من الحرية هتف المصريون وهم يطيحون حكم حسني مبارك؟ وأي نوع من القانون طلبوا؟ حرية الاستفتاء على قلع شجرة في السويد، أم حرية منع الناس من الاقتراع وفق إرادتها؟ حرية التعبير أم حرية الحريق؟ القانون الذي يساوي بين الناس أم الذي يعطي حق إحراق المتحف وإشعال العباسية؟ عندما تجدون مظاهرة في أوروبا تهتف بالروح بالدم، عندئذ ابدأوا المقارنة.