«سيتي بنك»: بانديت واستراتيجية تفادي المخاطر المصرفية

TT

سوف نمارس بعض الدعاية في هذه المقالة، وهي ليست مقالة أخرى عن الرئيس التنفيذي لمصرف «جي بي مورغان تشيس»، جيمي ديمون الفريد من نوعه - فما الذي يمكن أن يقال بعد مثوله هذا الأسبوع أمام اللجنة المصرفية التابعة لمجلس الشيوخ؟ وفي ظل عدم رغبة أعضاء المجلس في استجوابه حتى ولو بأسئلة بسيطة عن صفقات التداول التي كلفت المصرف خسائر بالمليارات - ولا شك أنهم يمنون أنفسهم بالحصول على المكافأة عن ذلك من خلال التبرعات التي يقدمها المصرف لتمويل الحملات الانتخابية - يمكنك فعليا أن ترى ديمون وهو يعود على تبجحه القديم مع كل دقيقة تمضي.

ولكن بدلا من ذلك، دعونا نركز على رئيس تنفيذي بعيد كل البعد عن التبجح، وهو مسؤول مصرفي لا يحقر من أهمية فرض الضوابط التنظيمية، بل يقف بالفعل في صف «هيئة الحماية المالية للمستهلك»، ولا ينظر إلى المصارف على أنها مؤسسات ينبغي أن تضطلع بمخاطرات هائلة على أمل أن يعود ذلك بمكاسب هائلة على المساهمين. إنني أتحدث عن فيكرام بانديت، الرئيس التنفيذي لمصرف «سيتي غروب»، الذي وصفه بين بروتيس ذات مرة في صحيفة «نيويورك تايمز» بأنه نقيض ديمون (وهو محق في ذلك).

لقد احتفل مصرف «سيتي غروب» بعيد ميلاده رقم 200 يوم السبت الماضي، وعندما تنظر إلى تاريخه، لا يمكنك أن تمنع نفسك من التركيز على الأسماء العظيمة التي تولت إدارته. فمنذ أواخر الستينيات حتى منتصف الثمانينيات من القرن العشرين، تولى إدارة المصرف وولتر ريستون، وهو من أكبر المصرفيين في العصر الحديث، تلاه تلميذه جون ريد، المبتكر الحقيقي لبطاقة الائتمان الحديثة وأجهزة الصراف الآلي.

وقد نجح ريد أثناء توليه منصب الرئيس التنفيذي في أن يحول مصرف «سيتي غروب» إلى أقوى مصرف استهلاكي في العالم. وفي عام 1998، وافق ريد على اندماج مصرف «سيتي غروب» مع مجموعة «ترافلرز غروب»، التي كان يرأسها ساندي ويل. إلا أن الأخير، وهو رأسمالي لا يشبع من بناء الإمبراطوريات المالية، سرعان ما أزاح ريد جانبا ليترأس الكيان الجديد، الذي أصبح مؤسسة مالية تقدم خدمات متنوعة في مجالات التأمين والصيرفة الاستثمارية والوساطة في الأسهم والمتاجرة في العقارات وكل ما قد يخطر على بالك من أنشطة - إضافة إلى بعض الأعمال المصرفية بالطبع (وقد تتلمذ ديمون على يد ويل).

وفي عهد تشاك برنس، الذي خلف ويل لفترة قصيرة، غرق مصرف «سيتي غروب» حتى أذنيه في الرهون العقارية عالية المخاطر، وشهدت ميزانيته جميع أشكال التحايل. والشيء الوحيد الذي سوف يذكر برنس به دوما هو عبارته المثيرة للشفقة التي قالها وهو يدافع عن المخاطرات الجنونية التي كان يقوم بها مصرفه: «طالما ظلت الموسيقى تعزف، عليك أن تنهض وترقص».

وحينما تولى بانديت المسؤولية في عام 2007، كان مصرف «سيتي غروب» غارقا في حالة عامة من الفوضى التي يتعذر التعاطي معها، وكان هذا قبيل حدوث الأزمة المالية مباشرة. ومن الأسباب التي جعلت مصرف «سيتي غروب» يعمل بطريقة مختلفة عن المصارف الكبرى الأخرى المنيعة على السقوط أنه لم يكن هناك أي مصرف آخر تأثر بمثل ذلك القدر الذي تأثر به أثناء تلك الأيام السوداء التي جاء بها عام 2008، فهو لم يحتج إلى دفعة واحدة من قروض الإنقاذ المالي من وزارة الخزانة الأميركية فحسب، بل احتاج إلى دفعتين، ولم يكن هناك أي مصرف آخر لديه «أصول سامة» أكثر منه، بل وصل به الحال في أعقاب الأزمة إلى أنه لم يعد مسؤولا أمام المساهمين، بل أصبح يتعرض للمساءلة من قبل الحكومة الفيدرالية، التي كانت تشعر بالقلق بشأن استمرار المصرف على قيد الحياة. وداخل البيت الأبيض، كان هناك العديد من المستشارين الاقتصاديين للرئيس أوباما الذين يؤيدون تصفيته تماما.

ورغم أن الأمر استغرق من بانديت بعض الوقت كي يرسم لنفسه طريقا وسط كل هذا، فقد تمكن في النهاية من تقسيم الأصول الرديئة إلى شرائح، ثم بدأ في التخلص منها واحدة تلو الأخرى، كما قام بتنظيف ميزانية المصرف من قدر كبير مما كان بها من المخاطر البالغة، وتجنيب مبالغ مالية هائلة لشطب الديون الرديئة، وزيادة رأس مال المصرف تدريجيا - مما يتيح له أن ينجو من الصدمة الكبيرة التالية إذا حدث أن تعرض لها. ويقول دانيل ألبرت، أحد مؤسسي المصرف الاستثماري «ويستوود كابيتال»: «ديمون يتحدث عن وجود ميزانية حصينة. لكن سيتي بنك هو من لديه حقا الميزانية الحصينة».

وبالإضافة إلى ذلك، فإن مصرف «سيتي غروب» لم ينخرط على الإطلاق في سياسة التحوط المحفوفة بالمخاطر التي انتهجها مصرف «جي بي مورغان» في إدارة محافظه الاستثمارية والتي سببت له كل هذه المتاعب، بل يقوم في الغالب باستثمار الفائض من الأرصدة المودعة لديه في أوراق مالية حكومية آمنة. وبعد سن قانون «دود فرانك»، قام المصرف بإيقاف التعامل في العقارات، دون حتى أن ينتظر تطبيق «قاعدة فولكر» (التي لم يبدأ العمل بها بعد). وأهم ما يسعى بانديت إلى تحقيقه هو إعادة مصرف «سيتي غروب» إلى جذوره، ليصبح مصرفا تجاريا يحقق أرباحه بالطريقة العتيقة، وهي تقديم قروض متكاملة الأركان، سواء إلى الأفراد أو الشركات.

وهناك عدد كبير من محللي «وول ستريت» الذين يكرهون طريقة بانديت - فرغم كل ما سبق، يظل أداء سهم «سيتي غروب» ضعيفا. وقد أخبرني مايك مايو، وهو محلل لدى شركة «سي إل إس إيه»، أنه سوف «يفضل جيمي على فيكرام» دوما. وحتى المحللون الأكثر تعاطفا ليسوا واثقين بشأن الاستراتيجية التي يسير عليها بانديت، إذ يؤكد جون ماكدونالد، من شركة «سانفورد سي بيرنستاين»: «أعتقد أنه ستمر ثلاث إلى خمس سنوات قبل أن نتحقق مما إذا كانت استراتيجته ستفلح».

وربما لو كنت أحد المساهمين، لطلبت من بانديت أن يضطلع بالمزيد من المخاطرة. لكنني كدافع للضرائب لا أهتم حقا إذا كان مصرف «سيتي غروب» يعمل على تعظيم ما يحققه من عوائد، بل سأهتم بما إذا كان المصرف يتخذ خطوات كي يضمن أن يكون مؤسسة آمنة تعمل وفق قناعة تامة بأنها مدينة بشيء ما، ليس للمساهمين فحسب بل للمجتمع ككل. ومن بين الأشياء التي تدين بها أن تتجنب نوعية المخاطرات التي تستتبع الحصول على حزم إنقاذ مالي، حتى إذا كان ذلك يعني تحقيق عوائد أقل.

ومثلما ذكرت سابقا، لا بد أن تعود المصارف مملة من جديد، بالصورة التي كانت عليها قبل أن يبدأ المساهمون في التعامل مع انتظار تحقيق نمو كبير باعتباره الوضع الطبيعي. وهذا هو الفارق الحقيقي بين جيمي ديمون وفيكرام بانديت: أن بانديت لا يخشى من أن يكون مملا.

* خدمة «نيويورك تايمز»