الترتيب لبداية جديدة للعلاقات الأميركية ـ الروسية

TT

لم يكن عدم ظهور فلاديمير بوتين في قمة الثمانية، التي انعقدت في كامب ديفيد في مايو (أيار)، سوى تأجيل لقائه باراك أوباما لمدة شهر بعد عودته إلى مقعد الرئاسة. ويكتسب الاجتماع، المزمع عقده على هامش قمة العشرين التي تبدأ يوم الاثنين في لوس كابوس بالمكسيك، قدرا أكبر من الأهمية عنه منذ أربعة أو خمسة أسابيع، ففي الوقت الذي يجتمع فيه القائدان في المكسيك، ستعقد مجموعة الخمسة زائد واحد (الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إضافة إلى ألمانيا) اجتماعا مع الممثلين الإيرانيين في موسكو.

وبعد مذبحة الحولة، هناك نذر بتحول الحرب الأهلية السورية إلى أزمة دولية. ويحتاج القائدان إلى التقابل وجها لوجه من أجل تحديد قواعد العلاقة بينهما. لقد تقابلا مرة قبل ذلك وكانت في يوليو (تموز) عام 2009 على أطراف موسكو. وبعد ذلك الاجتماع، أعطى بوتين الضوء الأخضر النهائي للنسخة الروسية من إطلاق بداية جديدة للعلاقات الأميركية - الروسية، لكن منذ ذلك الحين، يستخدم بوتين شريكه الأصغر ديمتري ميدفيديف كهمزة وصل بالرئيس الأميركي. لن تكون هناك رسائل يحملها وسطاء في لوس كابوس، حيث سيتحدث أوباما مباشرة مع بوتين. وهناك الكثير من المواضيع التي عليهما مناقشتها، وعلى رأسها سوريا وإيران، بسبب الصراع المتنامي في الأولى والمخاطر الهائلة المتعلقة بسوء التعامل مع الملف النووي في الثانية.

من المرجح أن يتصدر جدول أعمال بوتين نظام الدفاع الصاروخي الباليستي في أوروبا، الذي قد يكون له تأثير كبير على العلاقات الروسية مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، وعلى وضع روسيا الدفاعي.

بالنظر إلى الصعوبات المتزايدة مع باكستان، بالنسبة لأوباما تعد مساعدة روسيا في ضمان انتقال في أفغانستان ضرورية أكثر من أي وقت مضى. وهناك الكثير من القضايا الأخرى، لكن بالتأكيد لن يتسع لها المقام خلال تلك المقابلة القصيرة، ومنها الشروط المتعلقة بالتجارة، حيث انضمت إلى منظمة التجارة العالمية، ومشروع قانون ماغنيتسكي وما أثاره من انتقادات في الولايات المتحدة في ما يتعلق بسجل روسيا في حقوق الإنسان، ورد الكرملين على تدخل الولايات المتحدة.

في ظل الظروف الحالية، قد تحدث مفاجأة وتكون المنفعة التي تعود على القضايا الدولية من التعاون الأميركي - الروسي كبيرة. في حال تعاون الدولتين بدلا من تعارضهما، يمكن أن يسهما في منع المذابح التي ترتكب في سوريا وتمهيد الطريق لتحول سياسي في دمشق. ويمكنهما أيضا المساعدة في تجنب أسوأ نتيجتين في إيران هما: امتلاك طهران قدرة تصنيع قنبلة نووية، ونشوب حرب جديدة في الشرق الأوسط.

والعكس صحيح، ففشل الدولتين في التعاون سيؤدي إلى تعزيز تهميش كل منهما للأخرى بشكل كبير يغذي انتشار الأزمات الإقليمية، بل ويؤدي إلى إعادة تشكيل المشهد الاستراتيجي العالمي.

الأمور التي على محك كثيرة، لكن اتخاذ القرارات الصحيحة سيكون أمرا صعبا. وسيتعين على موسكو إعادة حساباتها بشأن النتيجة المحتملة للحرب الأهلية في سوريا، وسيكون عليها أيضا استخدام لهجة أشد قسوة مع حليفها في دمشق، والاتجاه للوصول إلى شخصيات يمكن أن تلعب دورا في المرحلة الانتقالية وتكون على استعداد للحوار مع المعارضة.

لن يلقى ذلك قبولا لدى الروس الذين يعارضون أي تدخل في شؤون الدول الأخرى. كذلك سيكون على روسيا اتخاذ موقف حاسم تجاه شركائها الإيرانيين الذين يتعاملون معها بترفع ويستغلونها في حمايتهم من ضغوط القوى الغربية. مشكلة واشنطن أصعب، حيث سيتعين عليها تقبل روسيا كلاعب على قدم المساواة منها في ما يتعلق بسوريا وإيران والتوقف عن النظر إلى روسيا كدولة مفسدة أو حتى كدولة حليفة لأعدائها المعلنين. وسيعني هذا التخلي على أرض الواقع عن خيار التدخل العسكري في سوريا أو تقديم مساعدات على نطاق واسع للقوات المناهضة للأسد مقابل التوصل إلى انتقال للسلطة أشبه بالذي حدث في اليمن عوضا عن التغيير الكامل للنظام.

سيعني هذا في ما يتعلق بإيران تغيير إيقاع اللعبة بحيث يصبح بطيئا. وعلى عكس الكرملين، يجب على إدارة أوباما وضع القيود المحلية في الاعتبار، مثل الحملة الانتخابية الرئاسية ومعارضة أعضاء الكونغرس الجمهوريين والانتقادات الإعلامية اللاذعة لبوتين. ورغم كون التوافق التام بين القائدين في لوس كابوس أمرا غير مرجح، ستظل القضايا وما يتعلق بها من مخاطر موجودة. وينبغي أن يكون الدخول في مواجهة مع أميركا هو آخر ما يسعى إليه بوتين بالنظر إلى القضايا الاقتصادية التي تنتظره. وعلى الجانب الآخر، سيكلف تجاهل روسيا باعتبارها دولة صغيرة نسبيا وإن كانت مستقلة استراتيجيا، على نحو كبير، الولايات المتحدة الكثير.

ومن المرجح أن يتم تأجيل نقاش قضية نظام الدفاع الصاروخي إلى عام 2013 بعد حسم أمر الانتخابات الرئاسية الأميركية. مع ذلك، حان الوقت الآن ليتعامل القائدان مع القضايا الملحة، وآن لمستشاريهما أن يبدأوا التفكير في مستقبل العلاقات الثنائية بين البلدين. لقد أجدى تدشين بداية جديدة للعلاقات نفعا، لكنه كان فقط وسيلة لتنحية الأمور المزعجة الإشكالية جانبا والتركيز على ما هو ممكن. لا بأس في ذلك، لكنه ليس كافيا، كما تشير إيران وسوريا.

* مدير مركز «كارنيغي في موسكو»

* خدمة «نيويورك تايمز»