العراق.. حقائق الأزمة وخياراتها

TT

الأزمة السياسية الأخيرة في العراق، وهي الأطول منذ سقوط النظام السابق، تكشفت عنها حقائق كثيرة، وبرزت منها خيارات أكثر مما يتصوره البعض.

أولى هذه الحقائق تكمن في أن التحالفات الهشة لا يمكن لها أن تحافظ على وجودها فترة طويلة وهي قابلة للتفكيك في أية لحظة، وهذا ما تجلى بوضوح في القائمة العراقية بزعامة إياد علاوي الذي فشل في تحشيد أصوات قائمته البالغة (91) مقعدا في سحب الثقة عن المالكي كشخص وليس كحكومة، وسبب فشل علاوي في هذا يكمن في أن مشروع سحب الثقة يحمل أبعادا شخصية أكثر مما يحمل مشروع إصلاح وبناء دولة ومؤسسات، في ظل غياب مشروع حقيقي لبناء الدولة من جهة، ومن جهة ثانية لم يستطع علاوي إقناع نوابه بذلك، خاصة في ظل تحركات المالكي صوب كركوك ونينوى وصلاح الدين وكسبه مزيدا من المؤيدين في هذه المناطق، مستندا إلى أخطاء القائمة العراقية وتنازلها عن الكثير من الشعارات التي رفعتها في الفترة السابقة، خاصة ما يتعلق منها بالمادة 140 التي تخص المناطق المتنازع عليها مع محافظات كردستان، مضافا إلى ذلك عقد جلسات مجلس الوزراء فيها، مما منحها صفة كانت مفقودة في السنوات الماضية.

الحقيقة الثانية التي أفرزتها الأزمة الأخيرة، أن التحالف الكردي بدأ منقسما لأول مرة، حيث بارزاني المتشدد في سحب الثقة وجلال طالباني الذي بدأ أكثر حكمة في تعامله مع الأزمة لدرجة أغضبت إياد علاوي الذي اتهم جلال طالباني بعدم التعاون، وهذا ما يدلل على أن الأزمة الأخيرة قطعت شوطا كبيرا في تفكيك التحالفات تمهيدا لتحالفات جديدة قد تظهر في المستقبل القريب.

الحقيقة الثالثة تتمثل باستحالة الحوار بين الفرقاء بعد أن وصلت الأزمة (لكسر العظم) كما يقول المثل العراقي، فلا يمكن لنا أن نتخيل طاولة تجمع علاوي وبارزاني والنجيفي إلى جوار المالكي، وهذا ما أكده إياد علاوي من أن طريق الحوار مع رئيس الوزراء نوري المالكي مقطوع، وهذا ما يؤكد وجود مساع فشلت حتى الآن في الجمع بين الفرقاء.

هنا، علينا أن نسأل: ما الخيارات المتاحة أمام الجميع؟ الخيارات في ضوء الواقع محكومة بالتنازلات التي من الممكن أن تقدمها الأطراف لبعضها البعض في سبيل تجاوز الأزمة، لكن أبرز الخيارات التي يجد المتابع للشأن العراقي وجوب حصولها في حال فشل مشروع سحب الثقة، أن يتم حل البرلمان العراقي وإنهاء حكومة الشراكة التي أثبتت فشلها في إدارة شؤون البلد بشكل سليم وصحيح وظلت حكومة أزمة. وهذا يعني اللجوء لانتخابات مبكرة، خاصة في ظل استحالة التوافق بين رئيس البرلمان ورئيس الوزراء، وهذا من شأنه أن يعطل التشريعات ويعرقل عمل الحكومة وفي نفس الوقت يعرقل عمل البرلمان، فكلاهما (رئيس الوزراء ورئيس البرلمان) يقفان على طرفي النقيض، خاصة أن ائتلاف المالكي هدد بسحب الثقة من النجيفي، وهو قادر على ذلك في ظل تصدع القائمة العراقية ووجود من يرغب في رئاسة البرلمان من بين أعضائها، وهذا ما حصل في الدورة البرلمانية الماضية عندما تم استبدال محمود المشهداني على خلفية تصريحات لم ترق لبعض القوى السياسية آنذاك.

وعلى ما يبدو، فإن خيار الانتخابات المبكرة غير مقبول من أطراف كثيرة خاصة القائمة العراقية، التي تجد أن الانتخابات المبكرة من شأنها أن تقلل من فرص نجاح الكثير من نوابها الذين فقدوا جمهورهم، خاصة في محافظات نينوى وصلاح الدين وديالى وكركوك.