مصر.. سيناريو التفاوض الخشن

TT

مع إقفال صناديق الاقتراع في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية المصرية وبدء فرز الأصوات، أغلقت صفحة مسيرة مرحلة انتقالية استمرت نحو عام ونصف العام منذ الإطاحة بالرئيس المصري السابق كانت حافلة بالاضطراب والتقلبات، لتبدأ مرحلة انتقالية جديدة مع الرئيس الجديد الذي سيعلن رسميا الخميس، هناك بعض التوقعات أن تكون أكثر اضطرابا، ويذهب بعضها إلى حد التكهن بصدام بين الجيش والإخوان يأخذ شكلا عنيفا.

أحداث الفترة الانتقالية التي سبقت انتخابات الرئاسة كانت كثيرة ومتسارعة ومليئة بالمفاجآت إلى درجة جعلت كل المتابعين، وحتى الوسط السياسي المصري، يلهثون وراءها، وصيغت نظريات وأفكار وجرت أحاديث عن مؤامرات واتفاقات تحت الطاولة، خاصة بين الإخوان والمجلس العسكري الذي قاد هذه الفترة، ليضطر الجميع لإعادة ترتيب أوراقهم وأفكارهم في ضوء الأحداث الحقيقية التي جاءت بما يخالف السيناريوهات التي تصوروها، ويبدو أن الكثير مما حدث كان أشبه بإدارة الأزمة يوما بيوم.

وأقرب مثال على هذا اللهاث التحليلي السياسي هو ما حدث في الانتخابات الرئاسية، فقد وضع الجميع بعد دراما دخول عمر سليمان وخيرت الشاطر القصير ثم خروجهما بقرار من لجنة الانتخابات، سيناريو أن المنافسة ستنحصر بين عمرو موسى وأبو الفتوح، لتكون مفاجأة «الأولى» هي أنها وضعت محمد مرسي مرشح الإخوان، والفريق أحمد شفيق آخر رئيس وزراء في عهد مبارك، في المقدمة، ولعل المفاجأة الكبرى كانت شفيق الذي أطلق عليه منافسوه أنه مرشح الفلول، ورغم ذلك فإنه حل ثانيا في الجولة الأولى، وأصواته في ضوء النتائج الأولية للجولة الثانية الحاسمة تقل عن النصف بقليل، وإذا أخذنا بالنسبة والتناسب والأوصاف التي تطلق، فإن نصف المصريين يكونون فلولا كما يبدو!

والتحليل الأقرب للمنطق هو أن هذه النتيجة سواء في الجولة الأولى أو الثانية جاءت لصالح من يملك التنظيم والماكينة الانتخابية والاتصال الشعبي على مستوى القرى والمحافظات وكل مدن الجمهورية، ولا يملك هذه الماكينة السياسية إلا قوتان؛ التنظيم السياسي الرسمي السابق وهو الحزب الوطني المنحل الذي هو فعليا وريث الاتحاد الاشتراكي وحزب مصر، والدولة الموازية الموجودة منذ زمن طويل وهي جماعة الإخوان المسلمون، التي خرجت إلى السطح حاليا.

وإذا سلمنا بالنتائج الأولية التي أعلنت ولم تفاجئنا الأحداث كما حدث سابقا، فإن مؤشرات فوز مرسي على شفيق بفارق ضئيل تسقط نظرية أخرى سلمنا بها جميعا، وهي أن شفيق مرشح المجلس العسكري، فكما يبدو لم يكن للمجلس مرشح، وأنه ترك الصراع حرا بين الدولة بجهازها المدني والدولة الموازية، أي الإخوان، مع إصدار إعلان دستوري أهم ما فيه إعطاء الجيش وضعية خاصة تحفظ استقلاليته، وهي تقريبا نفس نصوص وثيقة الدكتور علي السلمي التي طرحت العام الماضي ولم تتفق عليها القوى السياسية، وكان ذلك وراء الكثير من المطبات التي حفلت بها المرحلة الانتقالية. وكما يبدو، فإن الكثير مما وضع في الإعلان الدستوري المكمل هو أشبه بكتابة على الورق لدستور كان غير مكتوب سابقا، وكان متعارفا عليه من دون كتابة بين الرؤساء والمؤسسة العسكرية.

وقد رفض الإخوان الذين احتفلوا بالرئاسة مبكرا الاعتراف بالإعلان الدستوري المكمل، بينما اعتبرته قوى سياسية أخرى بمثابة انقلاب وتقليص لصلاحيات الرئيس، فهل نحن على أعتاب مواجهة وصدام نتائجه بالطبع ستكون كارثية؟ الأرجح في ضوء ما حدث منذ 25 يناير حتى الآن أننا أمام شكل آخر من أشكال التفاوض الخشن، وقد حدث ذلك سابقا بين الجيش والإخوان، وقد يكون أكثر خشونة، لكن لا أحد مستعد لأن يحمل نفسه عبء صدام تكون نتيجته دما!