ولي العهد السعودي الثامن

TT

هذه ليست من الأيام العادية للسعودية ولبقية دول المنطقة، السؤال دائما: كيف يمكن معالجة الصدمات؟ ووفاة ولي العهد السعودي الأمير نايف جاءت مفاجئة وأربكت الجميع، وكانت امتحانا للملك عبد الله بن عبد العزيز للكيفية التي يريد أن يدير بها الفراغ الطارئ، وفي ظل الأحداث الإقليمية المتوترة والظروف المتربصة.

ثم فاجأنا الملك ليس باختياره ولي عهده، لأنه اختار أحد أركان الحكم الفاعلين والتاريخيين، بل لأنه حسمها سريعا بعد أقل من 24 ساعة من بدء العزاء. وأعتقد أن التاريخ سيذكر الملك عبد الله بأنه زعيم له شعبية كبيرة وحاسم لا يتردد في لحظة الحسم. وفي السنوات الماضية أصدر قرارات بعضها كان صعبا، وبعضها كان مفاجئا، وبعضها كان سريعا كما فعل أمس. ولأنه حسم الأمر فورا أعطى رسالة بأن المملكة متماسكة. اختار الابن الخامس والعشرين لمؤسس الدولة السعودية ليكون ولي العهد الثامن في تاريخ البلاد.

الرجل الذي اختاره لولاية العهد، الأمير سلمان بن عبد العزيز، هو من أكثر الشخصيات شهرة في العالم العربي. سياسي نشط جال العالم وتعاطى معه على مختلف الأصعدة. منذ الخمسينات كان حاضرا الأحداث التاريخية الكبرى، وخلال العقود المتتالية تعامل مع زعامات المنطقة وحكوماتها. حاضر في الصور التاريخية في مصر مثلا مع كل قيادة الثورة، بدءا بمحمد نجيب وجمال عبد الناصر. وتعامل مع القضايا الخليجية والعربية المعقدة من بداياتها، فكان رفيقا للزعامات اللبنانية وبيوتها السياسية، من فؤاد شهاب إلى شارل الحلو، ومن العويني والصلح إلى كرامي.

ونحن نعرف السياسيين بمجالسهم، حيث كان دائما مجلسه عامرا بشخصيات من كل الفئات من كل دول المنطقة، نفس روح وفلسفة مجلس والده الملك عبد العزيز الذي اشتهر في النصف الأول من القرن العشرين بأكبر مجلس فيه خليط عربي أدخلهم معه في مشروع مملكته الجديدة، من سوريين ومصريين وليبيين وعراقيين وفلسطينيين. والكثير ممن عرفتهم التقيتهم في مجلس الأمير سلمان، بينهم شخصيات تاريخية مثل المفكر الراحل محمد أسد، وحتى آخر الراحلين غسان تويني. والأمير سلمان لا يعرف حصرا ساسة ومثقفي ما وراء حدود بلاده، بل أزعم أنه من أكثر السعوديين معرفة بالقبائل والعائلات وتاريخ مدن ومناطق المملكة بتفاصيل تنم عن اهتمام معرفي وشخصي.

بهذه التجربة والمعرفة التفصيلية يمكن أن يعرف الجميع أن في كرسي ولاية العهد السعودية حكيما ومجربا، في بلد هو ضامن لاستقرار المنطقة، وعلينا أن نعترف أن مجتمعاتنا تعرف النظم بالرجال أيضا. هذه هي الحقيقة التي تجعلنا دائما نسأل ونفتش طويلا في ماهية كل رجل يكلف بعمل قيادي.

في تصوري، أن بلدا مثل السعودية على الرغم من إمكانياته لا يحتمل ارتكاب الأخطاء ولم يعد بلدا تحت التمرين، وليس صحيحا أن المال هو «حلال المشاكل»، وليس صحيحا أن الوقت أيضا يحل المشاكل، والتحديات أمام الحكم السعودي لا تقل صعوبة عن غيرها، وهذا ما يجعلنا نبحث عن الحكمة والتجربة والمسؤولية والإحساس بالتاريخ والحاضر.

[email protected]