وجهة نظر ضد الإخوان

TT

هناك مقولة أو مثل قديم في نجد، يطلقونه على الرجل أو الصبي الشقي أو الكثير اللعب والعبث، فيقولون له في وجهه: (يا ليت أبوك أمرح) - أي يا ليت والدك في تلك الليلة التي قدر الله أن تأتي فيها، يا ليته رقد وترك أمك تنام بسلام مرتاحة بعيدة عنه.

بدأت هذا المقال بهذا المثل الغريب الذي قد يعتبره البعض بعيدا عما سوف أتطرق له تاريخيا لشرقنا العربي، خصوصا لمصر التي كانت هي الحاضنة والمصدرة للثقافة العربية منذ أن دخلت لها أول مطبعة مع حملة (نابليون)، مرورا بالقرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وعندما أصل إلى ما قبل نهاية هذا المقال فسوف تعرفون لماذا أنا أوردت هذا المثل.

كانت المطابع في بدايتها حجرية، ومن أشهرها مطبعة (الرحمانية) في الخرنفش، و(السعادة) في باب الخلق بالقاهرة، وتهافت على مصر في وقتها كبار المستشرقين ليطبعوا فيها مفضلين إياها على مطبعة (بريل) العربية في هولندا.

وطبع أول ما طبع (معجم الأدباء) لياقوت الحموي، و(طبقات القراء) لابن الجزري، و(الأم) للإمام الشافعي، و(صحيح البخاري)، و(خطط المقريزي)، وكذلك كتاب (صريع الغواني) لمسلم بن الوليد الأموي.

والغريب أن الذي قام بتصحيح وتنقيح ذلك الكتاب الأخير هو (حسن البنا) ما غيره، مؤسس (جماعة الإخوان المسلمين)، وكان وقتها ذا نزعة أدبية جمالية، ولم يجاره في تلك النزعة أكثر من تلميذه (سيد قطب) عندما كان ناقدا أدبيا متمكنا، وهو على فكرة أول من اكتشف وألقى الضوء على موهبة (نجيب محفوظ) كقاص وروائي، وأول من توقع له شأنا عظيما في المستقبل. وقطب هذا كان له صولات وجولات في أميركا، مثل تلميذه المعاصر (محمد مرسي) المرشح الآن لرئاسة الجمهورية الذي له ابنان يحملان الجنسية الأميركية، وهذا ليس منكرا، بل بالعكس، وكثر الله خير الانفتاح - حتى تفتحها بحري، خصوصا على الطريقة الإسلامية الإخوانية، ولو كنت مصريا لانتخبت (سعد زغلول)، وإذا لم يساعدني الحظ لانتخبت السيدة (صفية)، رغم أنهما من الأموات!

أعود بكل جد وأقول: مع الأسف أن هذين المفكرين غيرا نهجهما فيما بعد (180) درجة، ولو أنهما استمرا على منوالهما الأول لتغيرت أساليب عديدة في الثقافة العربية المعاصرة، (ولريحونا) كثيرا.

ليس عيبا أن يتجه مفكر ما اتجاها إسلاميا، ولكن العيب هو في (ليّ) عنق الفكر الإسلامي والاتجاه به (للخلف درّ)، والغريب أنه عندما سقطت الخلافة الإسلامية المهترئة والمهزومة في تركيا، وعندما كان الشرق العربي يتطلع مثلما يتطلع العالم كله نحو مستقبل أفضل، كان السلطان (فؤاد) ملك مصر فيما بعد، يتحفز ليركب (عرش الخلافة)، فتصدى له بكل شجاعة علي عبد الرازق سنة 1925 في كتابه الشهير: (الإسلام وأصول الحكم)، وما هي إلا ثلاثة أعوام فقط حتى أنشأ (البنا) جماعته الإخوانية، ومن يومها حتى الآن ومصر تتخبط بين السلب والإيجاب.

والإسلام لم يزد أو ينقص قيد أنملة، في كل ما أفرزه بعد ذلك فكر (البنا وقطب)، ولكن فكرهما، مع الأسف، عاث وأحدث الكثير من اللغط والتشويش والانشقاقات في مجتمعاتنا العربية من يومها حتى الآن.

لهذا أنا قلت: (يا ليت أبوك أمرح)، وهذا ينطبق على كل واحد منهما على حدة، وينطبق كذلك عليّ أنا معهما، وينطبق أيضا على كل قارئ لهذا المقال التعيس!

[email protected]