هل يفعل النظام في سوريا ما فعله الروس في الشيشان؟

TT

هناك قلق غربي مما يتواصل حدوثه في العالم العربي، وهناك أيضا قرار بالتخلي عن الأمور وعدم تحمل المسؤولية. إنها كرة من نار لا يريد أحد أن يتلقفها، وكل ما عدا ذلك مجرد تصريحات لا تبلسم جراحا زادت قروحها.

في لقاء مغلق، عقد في لندن لبحث الأوضاع العربية، كان التخلي واضحا. قيل إن في العالم العربي أنظمة غير مقبولة، ومجتمعات ضعيفة، وبديل هذه الأنظمة ما يستطيع أن يقدمه المجتمع، والمجتمع العربي غير قادر على المجيء بقيادات تستطيع مواجهة تحديات القرن الحادي والعشرين. لذلك عندما ننظر الآن إلى ليبيا، وتونس واليمن ومصر نجد أن الحقائق الجديدة سيئة إن لم تكن أسوأ مما كانت عليه. إذن نحن نواجه وضعا فيه أن كل الأسباب التي أدت إلى ما سُمي بـ«الربيع العربي»، ليس فقط لم تجد أجوبة لها، بل تعمقت أكثر. الأبرز هو إحباط الشباب المثقف. الوضع الذي يتجه نحوه العالم العربي الآن سيكون أسوأ.

قبل الوصول إلى مصر، ناقش المجتمعون الوضع في سوريا. وكانت التحليلات كالتالي: أي شيء يحدث في سوريا سيكون سيئا. إرث القتال الدائر سيستمر لوقت طويل جدا وسيسفر عن انتقامات متبادلة، هناك الآن انقسامات والناس يقولون إن السنّة يريدون السلطة، لكن لا يوجد شيء اسمه قوة سنّية موحدة.

البديل؟ إما أن يبقى بشار الأسد في السلطة، أو أن يأخذ «الإخوان المسلمون»، بمساعدة تركيا السلطة، أو استمرار الفوضى والقتل داخل سوريا مع تعميق الانقسامات.

رأى المتحاورون، أن الطرف الوحيد القادر على التدخل هو تركيا، لأن تدخلها لا يعتبر تدخلا غربيا، ويكون مقبولا، لكن «لو أن تركيا السابقة أي من دون رجب طيب أردوغان (رئيس الوزراء) هي التي تتدخل لقلنا إن تدخلها إيجابي، لكن إذا تدخلت تركيا أردوغان فستؤدي إلى مشكلة كبرى»!

أسأل: لكن الوضع الحالي سيئ وسيزداد سوءا؟

الجواب: «هذا صحيح، لكن لا أحد يقدر على إيقافه بالقوة في المستقبل القريب. والنتيجة الأكثر واقعية، صراع طويل الأمد، مع تمسك الأسد بالسلطة، أو صراع طويل مع وضع غير واضح نحتاج إلى وقت لنعرف بوضوح من استولى على السلطة».

يقول أحد المشاركين: حاليا هناك تدخل قوي لإيران و«حزب الله»، هم يساعدون النظام السوري وفي بعض الحالات يقودون القتال ضد الثوار، لكن إرث الوحشية في سوريا سيبقى بغض النظر عن النتيجة: «لقد فتحنا الآن انتقامات سورية قديمة ستحدد شكل ونوعية سوريا للجيل المقبل».

عن روسيا كان التالي من قبل أحد المشاركين: الروس يقولون إنهم استثمروا في هذا النظام «ولن نتركه يسقط»، إنما لسبب أساسي آخر هو أن الولايات المتحدة تريده أن يسقط. يضيف: «ما كنت لأفهم روسيا لو لم تكن لي تجربة مع إيران. من الواضح أنه ليس من مصلحة روسيا أن تصبح إيران دولة نووية، لكن، ولأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يرى أن إيران نووية تشكل مشكلة كبرى لأميركا وأوروبا، فإنه يحمي الإيرانيين»، في الحقيقة أنه أكثر عداء لأميركا من كونه يفكر بالمصالح الروسية.

«إذا نظرنا إلى ما هي مصالح روسيا، نرى أنه ليس من مصلحتها وجود نظام جار لها نووي وفوق ذلك، راديكالي إسلامي. توصلت موسكو إلى ترتيب مع طهران يقضي بأن لا تحرض إيران الأقلية المسلمة جنوب روسيا وفي المقابل يحمي الروس النظام».

«هذا الترتيب جيد طالما أن إيران ليست نووية بعد، لكن عندما تصبح نووية فإن شروط اللعبة تتغير، وبالتالي، فإن الروس يلعبون لعبة خطرة جدا، لكن، علمتنا التجارب أن بوتين رجل غير مسؤول».

المسلمون في دول الاتحاد السوفياتي السابق من السنّة، فلماذا لا يخاف أن يؤجج بعض العرب هؤلاء ضده؟ الجواب: لأن لا مصلحة للعرب بذلك، فإن همّ هؤلاء العرب نشر التعاليم الإسلامية ومدارسها وهذه تنتج أحيانا ما يسمى إرهابا، لكن حكوماتهم نفسها ضد الإرهاب. بينما الحكومة الإيرانية لها أنشطة إرهابية في كل أنحاء العالم.

أسأل: سمعنا أن الروس نصحوا النظام السوري باتباع السياسة التي اتبعوها في الشيشان حيث أحرقوا العاصمة غروزني، أي سياسة الأرض المحروقة؟ الجواب: أعتقد أن السوريين لا يحتاجون للنصيحة الروسية، لديهم خبرتهم ونصائح إيران و«حزب الله»، من الممكن أن يكونوا أخذوا بالنصيحة الروسية، لكن ليس لدينا معلومات مؤكدة، إنما لدينا معلومات مؤكدة وواضحة عن الدور الإيراني ودور «حزب الله».

أحد المشاركين رأى أنه في منعطف ما، قد تكون روسيا مستعدة أن تسمح بذهاب بشار الأسد شرط أن يكون البديل شخصا آخر يحافظ على النظام. ربما يقبلون أن يبقى النظام من دون شخص بشار الأسد.

لكن هل هذا بالحل الجيد؟ الجواب: لا شيء في سوريا سيكون حلا جيدا، بل سيئا.

أسأل ماذا عن التدخل العسكري؟ يجيبني أحد المشاركين: لو كنتِ أنتِ مكان الأميركيين أو الأوروبيين لما أردتِ التدخل، لكن لو كنت تركية لتدخلت. انظري، التدخل في ليبيا كان سهلا، إنما نتيجته مشكوك فيها. لكن إذا تدخل الغرب في سوريا فإن طائراته سوف تتساقط، حيث لدى السوريين سلاح مضاد للطائرات متطور جدا، كذلك سيكون من الصعب التدخل بطريقة يقبل بها الرأي العام الغربي، ولا يقاومها الشعب السوري «من هنا أدرك تفكير الأميركي والغربي بعدم التدخل، ثم ما هي مصالح الغرب هناك؟ وقف القتل، إذا وصل فريق جديد إلى السلطة سيقتل هو الآخر. لقد انطلق نهر الانتقامات».

واستبعد المشاركون أن تغرق دول مجاورة أخرى في المستنقع الدموي السوري، لكن «إذا سقط النظام في سوريا سيكون له تأثير سيئ على الأردن، لسببين: الأول - أن الأردن سيكون محاطا بأنظمة إسلامية راديكالية. ثانيا - سقوط الأسد سيُظهر أنه حتى لو أن الجيش مخلص للنظام، فلا مفر في النهاية من سقوط النظام، وأن الراديكاليين الإسلاميين في الأردن سيشعرون بقوة مما سيحدث في سوريا».

لكن تبقى مصر أهم دولة عربية، ورأى المتحاورون أن أمرين يجب أن يحدثا في مصر. إما أن تصبح تحت سيطرة «الإخوان المسلمين» والجيش، أو أن يحاول الجيش عبر قرارات المحكمة العليا التحكم والسيطرة، وعندها يعود الإخوان إلى الشارع وسيحدث انقسام في السلطة ما بين الجيش والإخوان. المهم أنه لن يكون في مصر نظام تعددي، والناس الذين بدأوا الثورة انهزموا ولم يحصدوا شيئا، ولن يكون باستطاعة مصر التعامل مع تحديات العالم الحديث، واقتصاديا ستواجه كارثة، ليس لأن أحد مصادر دخلها «السياحة» انهار ولن ينتعش قريبا، إنما أيضا، لأنه لا يمكن أن يحصل إصلاح اقتصادي ونمو والجيش متمسك بامتيازاته، في حين أن الإخوان يؤسلمون المجتمع، وهذا عكس ما تحتاجه الدولة إذا أرادت إصلاحا اقتصاديا ونموا حقيقيا.

إذا فاز أحمد شفيق سينزل «الإخوان» إلى الشارع فالمحكمة أعطتهم السبب: حق شفيق بترشيح نفسه، وحل البرلمان. أما إذا فاز محمد مرسي فسيقبل «الإخوان» بحل البرلمان.

لكن، هل سيقبل الجيش العيش في ظل «المرشد الأعلى للإخوان»؟ رأى المشاركون أن هذا يتوقف على الاتفاقية التي سيعقدونها مع «الإخوان». بمعنى ألا يقترب «الإخوان» من الامتيازات الاقتصادية الخاصة بالجيش، الذي سيقرر ميزانية الدفاع ويأتي بملياري دولار من واشنطن، وفي المقابل يسمح لـ«الإخوان» بأسلمة المجتمع، «هذا الاتفاق يمكن للإخوان العيش في ظله».

لكن، أليس هناك من خطر أنه مع أسلمة المجتمع سيصبح «الإخوان» أقوى من الجيش؟ يستبعد المشاركون هذا، لأن الجيش يريد أيضا أسلمة المؤسسة العسكرية. «لكن هذا لن يخفف من وطأة الكارثة الاقتصادية. قالوا مع (الربيع العربي) إنهم يريدون تبني النموذج التركي، في تركيا كان الجيش العنصر العلماني الأساسي، وهذا لا ينسحب على الوضع في العالم العربي».

لم يطرحوا بارقة أمل في تلك الجلسة المغلقة، توقعوا جيلين من المصاعب تجتاح العالم العربي.