تضييق هوة الخلافات

TT

للمرة الأولى منذ إعادة انتخابه رئيسا لروسيا الاتحادية، يطل فلاديمير بوتين على ساحة الدبلوماسية الدولية من بوابة قمة العشرين في المكسيك، كرئيس لدولة تعترف الدول التسع عشرة الأخرى المجتمعة في لوس كابوس بدورها وموقعها المؤثرين على صعيد القرار الدولي.

من تحصيل الحاصل القول إنه لا غنى عن توقيع روسيا على أي قرار دبلوماسي دولي لضمان حسن تنفيذه. وإذا كان جزء كبير من تصلبها في رفض أي «تدخل خارجي» في الأزمة السورية يعود إلى حاجتها لحماية مصالحها الاستراتيجية والتجارية في سوريا، فالجزء الآخر منه يعود إلى رغبتها في إبلاغ الولايات المتحدة - والغرب عامة - بأنها لا تزال تملك مخالب دبلوماسية مؤثرة، ومعرقلة، في مجلس الأمن وإلى حد ما في الشرق الأوسط.

من هنا يجوز القول إن الأهمية الأبرز لقمة العشرين الأخيرة في المكسيك تعود إلى إتاحتها لفلاديمير بوتين فرصة عقد أول لقاء مباشر مع الرئيس باراك أوباما بعد عودته - المطعون في مصداقيتها الديمقراطية - إلى الكرملين. ولكن، بصرف النظر عن تفسيرات هواة قراءة التعابير الجسدية للقاء الرئيسين، يبقى لقاء بين رئيس «مستنسخ» ومعقود اللواء على حكم روسيا لولاية رابعة، ورئيس مجيش لكسب ولاية رئاسية ثانية بمواصلته سياسة الحد من المغامرات الخارجية التي تعرض حياة الأميركيين للأخطار.

بين رئيس أكمل سيناريو انتخابه «بالتي هي أحسن» ورئيس ينهي ولايته الأولى «بالتي هي أحسن »، لم تكن الظروف مواتية لأكثر من اتفاق بينهما على «تضييق هوة الخلافات» في الشأن السوري، كما أكد نائب مستشار الأمن القومي الأميركي، بنيامين رودز.

بين عقد الملف النووي الإيراني، وتعقيدات المسألة الأفغانية وتشعباتها الاستراتيجية، وشبح الانهيار المالي في أوروبا (بسبب أزمة الديون)، والمعارضة الروسية لنصب الدروع الصاروخية الأميركية في أوروبا.. يصعب ادعاء أن الأزمة السورية تصدرت أولويات الرئيسين الأميركي - الروسي الراهنة، ما قد يعني أن رحيل النظام السوري مؤجل بعض الوقت، وأن معاناة السوريين أيضا مرشحة للاستمرار بعض الوقت.. إن لم تكن مرشحة للتفاقم بعد اتخاذ بعثة المراقبين الدوليين قرارا بتعليق دورياتها «حتى إشعار آخر».

ولكن إذا كان التفاهم على «تضييق هوة الخلافات» يعطي روسيا هامشا من حرية التصرف - كما يبدو من مواصلتها إمداد النظام السوري بالمزيد من السلاح والعتاد والتفكير في إرسال مشاة بحرية إلى ميناء طرطوس - فمن باب أولى أن يعطي الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي هامش حرية مقابل يتيح لهم تجاوز «الفيتو» الروسي المتكرر في مجلس الأمن لأي قرار يسمح بتدخل دولي في سوريا على غرار ما فعلت في كوسوفو عام 1999 - هذا إن كانت فعلا جادة فيما تعلنه من دعم للديمقراطية وحقوق الإنسان في سوريا. مع ذلك، وحتى في حال تردد أوباما في تكرار سابقة كوسوفو قبل «تقطيع» امتحان الرئاسة الأميركي، لا تزال في حوزته - وحوزة حلفائه الأوروبيين - أوراق ضغط مؤثرة على موسكو، منها:

- على الصعيد الاقتصادي: التلويح بفتح باب «منظمة التعاون والتنمية» الدولية لعضوية روسيا، أو الحديث عن الموافقة على توقيع الاتحاد الأوروبي اتفاقية تجارة حرة معها، أمران من شأنهما تعزيز شعبية بوتين في أوساط طبقة التجار النافذة في روسيا.

- على الصعيد الاستراتيجي: التلميح باحتمال التوصل إلى ترتيب مرض للجانبين في موضوع نشر الصواريخ الأميركية في أوروبا.

- على الصعيد السياسي: طمأنة روسيا إلى مستقبل مصالحها «طويلة الأمد» في سوريا، والتجارية على الأقل، خصوصا في حال مساهمتها في تحقيق انتقال قريب للسلطة في دمشق.

هذا وبإمكان الرئيسين تحقيق مكاسب جانبية في هذا السياق، فمن شأن صفقة تفاهم ثنائية على تسوية في سوريا أن تعزز سمعة أوباما الشعبية في معركته الانتخابية المقبلة، كما من شأنها إضفاء «شرعية» خارجية على رئاسة بوتين قد تعوض بعض ما افتقدته آليتها الديمقراطية في الداخل.