سكين في مواجهة لوحة

TT

مارست جماعات سلفية تونسية غضبا عنيفا الأسبوع الماضي.

هذا الغضب امتد على طول البلاد، وتجسد شغبا يكاد يكون الأخطر منذ استيقاظ هذه الجماعات في أعقاب ثورة تونس، والهجمة السلفية الأخيرة قررت «الذود» عن «الدين» الذي رأت تلك الجماعات السلفية أنه مس بسبب لوحة فنية.

إنها الجهات نفسها التي سبق لها و«غضبت» أكثر من مرة خلال الأشهر الماضية بسبب عرض أفلام ومعارض وصور، وبسبب طالبات غير محجبات وتجمعات تتعلق بالتعبير والإبداع، لكن الانفلاتة الأخيرة للسلفيين سببت توترا أمنيا واسعا في مختلف أنحاء تونس ترجم بحمل أسلحة بيضاء وزجاجات حارقة والاعتداء على الأمن.

وإن كنا لا نرى في انجراف هذه الجماعات نحو العنف أمرا مستغربا، كما لا تخرج عن سياق أدبياتهم الدعوة الخطيرة لأحد أئمة المساجد بإهدار دم الفنانين الذين شاركوا في المعرض، إلا أن ما يثير الكثير من القلق والانزعاج هو موقف كبار مسؤولي الدولة مما حدث، فوزير الثقافة صرح بأنه سيقدم شكوى ضد منظمي المعرض، وسيغلق مقر عرض اللوحات، مسهبا بالحديث عن المقدسات والثوابت الدينية، علما بأن اللوحة التي ثارت الثائرة ضدها لم تكن موجودة في المعرض أصلا. شاركه في مواقفه وزيرا الداخلية والشؤون الدينية وقادة حزب «النهضة» الحاكم في تونس.

لقد ساوت مواقف مسؤولين بين من حمل سكينا وزجاجة حارقة ومن كسر مبنى واعتدى على مقر ومن هاجم الآمنين وروعهم وبين من رسم لوحة وقال كلمة أو التقط صورة. سارع هؤلاء المسؤولون لإدانة لوحات وفنانين لم يشاهدوا أعمالهم أصلا إلى حد أنهم حملوا ما سموه «السلوك اللامسؤول» للفنانين، وحملوهم مسؤولية التدهور الأمني الذي أخاف التونسيين.

الشعور بالمرارة مما يجري يطغى على أوساط شبابية وثقافية واسعة في تونس، فالسلطة الجديدة سارعت قبل أسابيع إلى سجن رئيس تحرير بسبب صورة اعتبرتها لا أخلاقية، وعاملت بقسوة جرحى الثورة الذين طالبوا بحقوقهم، لكنها في المقابل تتعامل بتساهل حيال من يعتدي على الجامعات والأساتذة، ومن ضرب صحافيين، ومن حقر علم تونس ليضع مكانه علما دينيا.

أليس هؤلاء من قال عنهم زعيم حزب «النهضة» راشد الغنوشي: «هم أولادنا ويذكرونني بشبابي».

وإن كان استذكار الجيل الشاب من باب تفهم الحماسة والمشاعر الجياشة أمرا مطلوبا، فالمطلوب أيضا الإقرار بحق أي جماعة أن تتظاهر وأن تعبر عن رأيها، لكن حمل السلاح الأبيض والزجاجات الحارقة والتكسير والعنف ليس رأيا، وإهدار دم آخرين ليس حرية تعبير.

نادت الثورة التي قامت في تونس بالحرية والكرامة ولم تدع لإقامة دولة دينية أو لفرض نمط عيش معين. صحيح أن تونس، وأكثر من دولة ومجتمع، تعيش إشكالية العلاقة بين جماعات إسلامية ومفاهيم الحرية؛ إلا هذه علاقة ستظل دوما مطروحة للنقاش والجدال.

فحرية المعتقد والمرأة والفن والجسد هي المدارات الأساسية لمعركة الديمقراطية في العالم العربي.

diana@ asharqalawsat.com