استمتعوا بربيعكم العربي!

TT

«الهدف هو منع إسرائيل من تحويل القدس إلى مدينة يهودية»، قد يعتقد من يقرأ هذا المقال أن هذه الكلمات تشير إلى وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو الذي لم يتمكن في الماضي من إخفاء حلمه المتمثل في «الصلاة في المسجد الأقصى في العاصمة الفلسطينية القدس»، ولكن الحقيقة أن هذا الاعتقاد خاطئ، لأن هذه العبارة قد وردت على لسان زعيم تنظيم القاعدة أيمن الظواهري الذي أشاد في نفس الخطاب بالمقاتلين الذين فجّروا خط الغاز الذي يحمل الغاز الطبيعي من مصر إلى إسرائيل.

قد يكون الربيع العربي ساعد مصر على التخلص من الديكتاتور حسني مبارك، ولكن مصر الآن تواجه خطر التحول إلى ساحة قتال بين مؤيدي مبارك ومؤيدي الظواهري. وبعد ثمانية عشر شهرا على الربيع المصري، أصدر المجلس العسكري في مصر إعلانا دستوريا يعطي للقوات المسلحة صلاحيات واسعة تجعل من الرئيس مجرد تابع. وبموجب هذا الإعلان أصبح من حق المجلس العسكري إصدار التشريعات والتحكم في الاقتصاد، والحق في اختيار من سيقوم بكتابة الدستور المقبل.

وبغض النظر عن فوز أي من المرشحين اللذين أعلن كل منهما فوزه في الانتخابات، فإن أول انتخابات مصرية بعد الثورة قد شابها عمليات تزوير ممنهجة، بما في ذلك حشو صناديق الاقتراع، وتقديم رشى انتخابية، وترهيب الناخبين، ووقوع هجمات بالقرب من مقار اللجان الانتخابية. وفي الحقيقة، لا يعد هذا شيئا غريبا إذا ما تذكرنا تعرّض مكتب المرشح العلماني أحمد شفيق للهجوم الشهر الماضي، بعدما أعلنت لجنة الانتخابات الرئاسية أن شفيق سيكمل سباق الانتخابات الرئاسية في مواجهة مرشح الإخوان المسلمين محمد مرسي.

وحذر الجزائريون - الذين مروا بتجربة مريرة - من أن مصر قد تنزلق إلى سيناريو يشبه الصراع العنيف الذي شهدته الجزائر. وفي الآونة الأخيرة كتب الصحافي الأميركي العلماني ناثان براون في صحيفة «الغارديان» البريطانية يقول: «قد تنتقل السلطة في مصر من الديكتاتورية العسكرية إلى الديكتاتورية الرئاسية (لا توجد غلطة مطبعية هنا، حيث قال براون مصر، وليس تركيا)».

وفي تونس، قام السلفيون بحرق محطات الشرطة والمقاهي والحانات، وهاجموا السائحين والطلبة والمسرحيين، كما قاموا بنهب المعارض الفنية. وعلاوة على ذلك، تم حرق «القهوة العالية» بمنطقة سيدي بوسعيد، التي تعد أحد المقاهي العريقة التي تعود للقرن التاسع عشر وأحد المعالم السياحية الشهيرة في تونس. وكان الظواهري قد دعا التونسيين في الآونة الأخيرة إلى الثورة على الحكومة، وعلى أي شيء «غير إسلامي». ونتيجة لذلك، اضطرت تونس، وهي «المثال الناجح للربيع العربي»، لفرض حظر التجول على ثماني مناطق، بما في ذلك العاصمة تونس. وأصدرت الولايات المتحدة وسويسرا وبلجيكا والنمسا تحذيرات لرعاياها تطالبهم فيها بتوخي الحذر من السفر إلى تونس.

وفي الوقت نفسه أمر المجلس الانتقالي الوطني في ليبيا الجيش باستخدام «كل الوسائل الممكنة» لوضع حد للاضطرابات التي يشهدها غرب البلاد. ودعت طرابلس أيضا إلى إنشاء ممرات إنسانية في «ليبيا الديمقراطية الآن»، تماما مثل المقترحات التي يتم تقديمها لـ«سوريا غير الديمقراطية». وأعلنت الحكومة أن هذه المنطقة هي «منطقة عسكرية» عقب الاشتباكات التي اندلعت بين مقاتلين من قبائل الزنتان وقبائل المشاشية، والتي أدت إلى مقتل 14 شخصا وإصابة ما يقرب من 100 آخرين. وقبيلة الزنتان هي القبيلة التي قام شيخها علي الزنتان في شهر مارس (آذار) الماضي بالهجوم على فندق «ريكسوس النصر» التركي، وهو فندق من فئة 5 نجوم في العاصمة الليبية طرابلس، وقام بخطف مدير الفندق لأنه طلب منه أن يدفع تكاليف الإقامة بعدما أمضى ستة أشهر كاملة في الفندق. وفي النهاية وافق الزنتاني على إطلاق سراح مدير الفندق، بعدما تذكر على ما يبدو الدعم الذي قدمته تركيا لإسقاط الطاغية القذافي.

وشهد جنوب ليبيا مقتل أكثر من 20 شخصا الأسبوع الماضي إثر اشتباكات بين قبيلة التبو وقبيلة الزوي، ولكن الشيء الأكثر إثارة للسخرية هو أن السيارة التي كانت تقل سفير بريطانيا في ليبيا قد تعرضت للهجوم بالقذائف في بنغازي بعد أيام فقط من تفجير قنبلة خارج القنصلية الأميركية في نفس المدينة التي شهدت مهد الثورة الليبية العام الماضي، بدعم من الولايات المتحدة وبريطانيا، وهو ما يظهر أن الشعب الليبي شعب ناكر للجميل!

ولحسن الحظ، فقد مر أول 18 شهرا مضطربا في الربيع العربي، وبمجرد أن ننتهي من التعامل مع الأشهر الـ180 المضربة التالية، فلن يكون هناك سوى 1800 شهر مضطرب آخر يمكن السيطرة عليها بسهولة كبيرة!

* بالاتفاق مع صحيفة «حرييت ديلي نيوز» التركية