البؤساء

TT

تلقف ألوف اليونانيين في ثلاث ساعات 25 ألف طن من الخضار والثمار المجانية. وفي بريطانيا يشتري 85% من المدرسين طعام الفطور للتلاميذ الذين يأتون من بيوتهم بلا طعام، كأنك في أوروبا تشارلز ديكنز، أو في «بؤساء» فيكتور هوغو. الفقر يضرب إسبانيا المفلسة، البطالة تهز فرنسا، حزام الفقر يتسع حول الناس ويضيق حول بطونهم.

العالم العربي ليس في وضع أفضل، لكنه لا يتعاطى بأرقام الفقر والبطالة، وإذا فعل كذب، ولذلك لا يكبد نفسه البحث في هذه المواضيع، نحن لا نتعاطى أو نعترف إلا بأرقام الموت، 750 قتيلا في موقعة الجمل، و15 ألف قتيل في مواقع فرسان سوريا، وتعداد الانفجارات وليس الضحايا في بغداد، حيث يسود «حكم دولة القانون» بزعامة نوري المالكي.

وهو صاحب العراق، كما أنه صاحب هذا الاسم اللامع: حكم القانون الذي ليس أقرب منه إلى معاني ومفاهيم الأوصاف سوى الإصلاحات السورية، ولعلكم جميعا تذكرون أول خطاب للرئيس بشار الأسد بعد درعا، عندما شرح على طريقته المسهبة أن الإسراع غير التسرع.

ويعاني الرئيس السوري من مشكلة عميقة مع سامعيه، فهم رغم ما يبدون من عبودية وإخلاص وبهجة في السمع، لا يبدو أنهم يفهمون ما يسمعون، لذلك يخرج الرجل عن النص مرات كثيرة ليشرح، مستعينا بيديه الاثنتين، وأحيانا بالابتسام الساخر، علهم يفهمون، لكن يبدو من مجموعة الخطب والشروح أنهم لا يفهمون، ولا أدرك هذا العالم الجاهل بعد 16 شهرا و5 خطابات بشروحها، أن المواجهة مع عصابات مسلحة في البداية تحولت لاحقا إلى عصابات إرهابية مسلحة.

تذبل أرقام البطالة والفقر في العالم العربي أمام أرقام الظلام والعدم وصور الأطفال والجثث الحية وفاقدة الحياة وهذه الدنيا الفاقدة كل حياء.

اكتشف بعض مؤيدي سوريا في بيروت أمرا لم يكن يعرف به أحد: أن ثمة مشكلة في الحجاز! لعلهم شاهدوا كيف خرج «الحجاز» يعزي ويبايع، أو لمحوا عشرات الألوف التي تزاحمت في الطائف وفي جدة، ومن ثم في الرياض.

يقال عن النكات «البائخة» إنها «قديمة»، نكتة الحجاز قديمة.

الناس لم تعد تؤخذ إلا بحقائقها، العرب يريدون أن يدخلوا، مثل سائر البشر، عصر الحياة والكفاية، والخروج من ذل الرغيف وذل القائد الأوحد، يريدون أن يقرأوا أرقام النمو ومعدلات النزاهة والتقدم، كفاهم أرقام موت وفقر وسجون.