نايف الذي عرفته

TT

فجع الوطن بوفاة رجل الدولة المتميز، ولي العهد وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، تغمده الله برحمته وأسكنه فسيح جناته.. ما تميز به الأمير نايف وما يجعل من وفاته حدثا بالغ التأثير أنه كان رجل دولة نجح في بناء مؤسسات أمنية تفوقت على أكثر الدول المتقدمة فعالية في مواجهة المنظمات الإرهابية الشرسة، وأسس نظاما أمنيا فائق الدقة سيبقى مؤثرا بعد رحيله، وهو مع ذلك قد لعب أدوارا كبيرة وأساسية في بناء وتطوير مختلف جوانب الحياة العامة بالمملكة.

عرفته وعملت تحت قيادته منذ أن كان نائبا لوزير الداخلية، ولمدة 25 عاما شاهدته عن قرب في تعاملاته مع القضايا ومع المجتمع، فكان متميزا ببعد النظر والحلم في المواقف الصعبة والشدة في حماية كل ما يمس سيادة النظام.. كان درعا واقيا ضد أي اختراقات لمفهوم السيادة في وجه أقوى الحلفاء للبلاد.. كان (رحمه الله)، ومنذ بداياته، حاملا لمسؤولياته تجاه تبعات مهمته الصعبة في زمن متقلب هائج.

كان مهندس العلاقات الأمنية الخليجية والعربية، والمبادر في كل الجهود التي تمت للوصول إلى الاتفاقات الأمنية الخليجية والعربية، ولعل أكثر من يعبر عن شخصيته القيادية وحكمته أنه انتخب رئيسا فخريا دائما لمجلس وزراء الداخلية العرب، على الرغم من كل التباينات السياسية الكبيرة للأنظمة مع المملكة.. لماذا؟ لأن الوزراء اكتشفوا في شخصيته قدرته على معالجة الخلافات التي تنشأ بين الوزراء أثناء اجتماعاتهم السنوية بتونس بحكمة وموضوعية، وحرصا على المصلحة العربية العامة.

كان يتحلى (رحمه الله) بالهدوء في وجه العواصف، وكان قادرا على الاستماع بصبر واستيعاب مهما طال الوقت.. لا يعرف الانفعال والغضب إليه طريقا.. عميق جدا.. مفكر عادل حازم.. يعمل وفقا لمبادئ ثابتة، خاصة إذا تعلق الأمر بقضايا العدل والأمن والهوية التي بمجملها تمثل الأسس التي تحكم قراراته ورويته.. كان (رحمة الله عليه) مدرسة كبيرة على مبادئ من الأخلاق واحترام العمل والتمسك بالقيم التي وضعها منذ صغره.

ستظل يا نايف رمزا وطنيا وعلاقة مميزة في ذاكرة الوطن، وستبقى لبناتك قوية شامخة في وجه كل ألوان المخاطرة، لأنك تركت مؤسسة قوية وزرعت منهجا للعمل يقوم على مبادئ صلبة غير قابلة للانحراف. تغمدك الله برحمته وأسكنك فسيح جناته، وأعان من سيخلفك على مواصلة مسيرتك.

* وكيل وزارة الداخلية السابق