رزق الهبل على المجانين

TT

معروف أنه بعد حرب 1973 وقطع البترول عن الغرب لعدة أيام ارتفعت أسعاره ارتفاعا صاروخيا، ونتجت عن ذلك مداخيل نقدية هائلة للدول المنتجة، وطفت على السطح طبقة لم تكن معروفة، وأغلبهم ليسوا متعلمين أو أذكياء لكنهم أشبه ما يكونون بالمجانين الذين أتاهم رزقهم على طبق من ذهب، وبدأوا في الشراء والمتاجرة بالأراضي بكل الطرق المشروعة وغير المشروعة، وبدأ ينتشر ما يسمى (المخططات) العقارية.

وحديثي اليوم سوف ينصب على اثنين، أحدهما صاحب مكتب عقار ركب الموجة في الوقت المناسب، والآخر سمسار وكاتب عدل في الوقت نفسه، ونشأ بينهما حلف غير مقدس، وخلال أعوام لا تزيد على أصابع اليد الخمسة تكدست في حساباتهم الملايين، ولأول مرة في حياتهما يعرفان السفر إلى لندن، وهناك تعرفا إلى رجل بريطاني من أصل عربي، وأخذ يرافقهما ويترجم لهما، وزين لهما شراء أرض شاسعة خارج لندن لكي يحولاها إلى (مخطط)، وأعجبتهما الفكرة واشترياها، وكسب الرجل من وراء ذلك مبلغا محترما منهما ومن ملاك الأرض، وبعدها أعطاهما (الطرشة) - أي ذهب ولم يعد - وعندما حاولا أخذ موافقة من الجهات المسؤولة (للتخطيط) اكتشفا أن النظام لا يسمح حيث إن تلك الأرض تعتبر من الأراضي المفتوحة للجميع، ولم يجنيا من طمعهما غير الحسرة والندامة، وعرفا أنه (ليس كل طير يؤكل لحمه).

تذكرتها الآن عندما قرأت عن الألماني (راينر شودل)، الذي كما يزعم لديه وثائق مسجلة تثبت وراثته (للقمر) عن أحد أجداده السابقين، حينما منحه الملك (فريدريك الثاني) ملكية القمر عام (1759) تكريما له على خدماته للبلاط (!!).

وأهبل منه هو الأميركي (هاري بوش) - ولا أدري هل هو يمت بصلة قرابة للرئيس الأميركي السابق الذي لا يقل عنه في قمة الذكاء ولا أقول الهبالة، أم لا. هذا (الهاري) استغل مرونة النظام (الرأسمالي) الذي لا يقف في وجه الفرص لأي إنسان، كما أنه استغل أيضا سذاجة الكثير من المواطنين هناك، وفتح مكتبا أنيقا هناك قبل (28) سنة، ونشر على جوانبه خرائط مفصلة لأراضي القمر، وخططها (كبلوكات) وأراض مفروزة، وبدأ في نشر الإعلانات في الجرائد والتلفزيونات لمن يرغب في الشراء، خصوصا للجانب المشرق من القمر مقابل سعر بخس لا يتعدى (16) دولارا للقطعة الواحدة، وتهافت السذج على الشراء، خصوصا أن سعر شراء قطعة أرض هناك لا يزيد عن سعر شراء ساندويتش (همبرغر).

عندها انتبه أخيرا معهد (حقوق الجو والفضاء) لهذه اللعبة، لكن بعد إيه؟! بعد أن (طارت الطيور بأرزاقها)، وأوقف البيع وأغلق المكتب، مستندا في ذلك إلى اتفاقية الفضاء الدولية لعام (1979) التي وقعتها (13) دولة، وتنص على أن كل الأجرام والمجرّات السماوية هي ميراث إنساني عام، والحمد لله أنني في ذلك الوقت لم أكن في أميركا لأنني بكل تأكيد كنت سأصبح من أول المشترين، لا لقطعة واحدة ولكن لثلاث قطع على ثلاثة شوارع.

ومن المتوقع بعد صدور هذا القرار أن يستأنف الألماني دعواه لدى القضاء الألماني بهدف كسب القضية، أما الأميركي فإذا خسر القضية فإنه سيدفع تعويضات تعد بالملايين لزبائنه المغفلين، و(حلّوني) بعدها إذا انتهت القضية.

[email protected]