الأمية والديمقراطية

TT

اعترض بعض القراء على سخريتي من جهالة الناخبين العرب. قال علي محمد وآخرون إنني وصفت الناخبين العرب بالحمير. هذا من باب التجاوز وتحريف الكلام الذي اعتدنا عليه في تاريخنا. ما قلته هو أن الأكثرية في العالم العربي أمية. وفي هذا العالم المعقد الذي نعيش فيه اليوم، كيف يمكن لأي مواطن أمي أن يفهم ويفسر ويقرر ما هو في مصلحته ومصلحة بلده وينتخب الرجل المناسب للمهمة وليس من يعطيه دولارا ثمنا لصوته؟

السيد سامي البغدادي يرى أن الناخبين تعلموا الآن. أبهذه السهولة يا سيدي؟ نحن المثقفين وحملة الشهادات العالية لم نتعلم من سلسلة الأخطاء التي وقعنا وما زلنا نقع فيها. أنا غيرت تفكيري عشرات المرات بعد أن اكتشفت سوء تقديري وعدم فهمي للأمور. لماذا وصلت بلداننا إلى هذا الحضيض؟ وكلما أوقعنا أنفسنا في مأزق ألقينا باللوم على مؤامرات الاستعمار والصهيونية. ثم سرنا فأوقعنا أنفسنا في مأزق جديد. والآن ننتظر من ناخب أمي جاهل أن يهدينا للصواب!

لقد نظر جل الفلاسفة والمفكرين من أيام سقراط إلى العصر الحديث نظرة سلبية للديمقراطية واعتبروها حكم الغوغاء.

من أخطائنا الشائعة تقليدنا الأعمى للغرب دون ملاحظة ظروفنا المختلفة عن ظروفهم. أعطى الغربيون حق التصويت للجميع لأن جميعهم الآن متعلمون والتعليم الإلزامي مقنن ومتبع عندهم إلى مستوى الدراسة الثانوية. وعندما لم يكن ذلك مطبقا عندهم لم يعطوا هذا الحق للجميع وقصروه على المتعلمين وعلى الذكور فقط. إذا أردنا للربيع العربي والديمقراطية العربية أن تنجح فعلينا أن نحصر حق الانتخاب بالمتعلمين. بالطبع سيعترض الغربيون على ما أقول ويعتبرونه مخالفا لحقوق الإنسان. وهذه نقطة تتطلب الشجاعة والتحدي فيما ينفعنا.

يقول الشاعر:

* وعين الرضى عن كل عيب كليلة

ولكن عين السخط تبدي المساويا

* أسوق هذه الكلمات لكل من أخذوا يتهمونني بالطائفية، وعلى رأسهم السيد حيدر الهلالي. يبنون اعتراضهم على سخريتي من هذه الزيارات المليونية الجارية في العراق وما تضمنته من طقوس. يا سادتي لقد نسيتم أو تناسيتم ما قلته ساخرا عن الإخوان المسلمين والجهاديين والانتحاريين وكل المتعصبين والمتشددين. وكلهم من السنة. إنني أعترض على كل هذه الممارسات والخزعبلات التي ألصقت بالدين والإيمان من كل الطوائف والملل وساهمت في تجهيل وتضليل وتأخير شعوبنا التعيسة، بل وأصبحت وسيلة للاستغلال. لم يسلم من ذلك السنة ولا الشيعة.

يقولون: لماذا لا أعترض على عبادة البقرة في الهند؟ ما شأني بها؟ هل أصبحت الهند شاغلنا الشاغل؟ وعلى كل يا سيد حيدر إنني أعتبر من يعبدون البقرة أعقل من أكثرنا بكثير. أولا أنهم لا يؤذون أنفسهم أو غيرهم بهذه العبادة. ثانيا أنهم أرأف منا بالحيوان لأنهم نباتيون يمتنعون عن أكل اللحوم. وهم سلاميون يحرمون اللجوء للعنف وحمل السلاح وسفك الدماء. أليس من يعبد البقرة أعقل ممن يعبد الطوب أبو خزامة؟