السيد النائب

TT

أمضى حسني مبارك الدورات الرئاسية المتكررة يرفض فكرة نائب الرئيس ويرتعد منها. لم يستطع أن ينزع من ذاكرته أنه جاء إلى الرئاسة من نيابة الرئاسة في مصادفة دامية وتشاؤم من فكرة أن يكون للرئيس خلف جاهز.

كان جون كنيدي يكره ليندون جونسون الذي اضطرته الظروف الانتخابية لجعله نائبا للرئيس. ولم يكن جونسون يحلم بأن ينتخب رئيسا ذات يوم. عاش الشراكة مع كنيدي مبعدا. وكانت أميركا تعرف روبرت كنيدي وتحتقر وجوده وتمتعض منه. لكن جونسون دخل الرئاسة من باب الدماء.

في خطابه الأخير أمام مجلس الشعب جلست نائبة الرئيس لشؤون الثقافة نجاح العطار إلى جانب بشار الأسد. وغاب عن الصورة النائب السياسي فاروق الشرع، الذي توقف عن الظهور منذ أن طرح اسمه في الحل اليمني. قبله كان نائب الرئيس، عبد الحليم خدام، قد لجأ إلى فرنسا تاركا له نحو ثلاثين عاما من القبول بمنصب الرجل الثاني.

في اليمن سهَّل وجود نائب للرئيس ذهاب علي عبد الله صالح ولو بعد حين، أو بالأصح بعد أحايين تأخر حلولها الأخير. لا يطيق الرؤساء العرب هذا المثال. كان أنور السادات نائبا مبعدا عن القرار، فإذا به صاحب القرار يطرد من حوله جميع الطاغين، يطرد معهم الاتحاد السوفياتي الذي يتولى حمايتهم. وهكذا اختار نائبا بسيطا بين طموحات سياسية ومراكز قوى. لم يحتجها حسني مبارك. كان يملك الحظ. لكنه بالغ في استخدامه.

كان أحمد حسن البكر يشعر بالألم وهو يدرك أن السيد النائب صدام حسين أصبح أقوى بكثير من السيد الرئيس. ولم ينتظر السيد النائب القدر لأنه كان على عجلة لتسلم الرئاسة مدى الحياة، فإذا مداها غير بعيد. خيل إلى السيد الرئيس، أو بالأحرى صدَّق السيد الرئيس، أنه الرجل المقبل من الشرق على حصان أبيض، كما قال العراف العالمي نوستراداموس. لم يدرك، لقلة معرفته بالعالم، أن هذه تمويهات تروجها الأجهزة السرية عندما تريد الخلاص من حالة غرور أصبحت عبئا على النظام الدولي.

لم يقتنع حسني مبارك أنه بقي بلا نائب له. كانت النهاية مأساوية ولو غير دموية مثل نهاية رئيسه. ولو حضر فاروق الشرع خطاب مجلس الشعب لما انتبه الكثيرون لحضوره، لكن غيابه أثار علامات الاستفهام: أين السيد النائب؟ سوف يرد النظام على ذلك بمؤتمر صحافي يعقده الرجل الذي كان ذات مرحلة لا يغيب عن الحدث والحديث في دمشق.