سيكرر الروس هزيمتهم في أفغانستان على الأرض السورية

TT

الفرق ليس كبيرا بين دور الاتحاد السوفياتي العدواني في غزو أفغانستان ودور الحكومة الروسية الإجرامي في سوريا. وها هم الستالينيون الجدد يفقدون الحياء تماما بمساعدتهم نظاما اختار البلطجة في شن حرب مدمرة على شعب لم يطلب أكثر من حقه في الحياة. وآخر دليل على عدوانيتهم السافرة هو إصرارهم على إيصال طائرات هليكوبتر قتالية إلى نظام الإبادة. ولا فرق بين أن تكون بموجب صفقة جديدة أو أعيدت صيانتها. ففي الحالتين ستزيد القوة النارية للطائرات من شدة القمع الدموي. ولم يترك هؤلاء البغاة من سبيل أمام المحتجين السلميين غير السعي للحصول على مستلزمات الدفاع المشروع عن النفس، وهو ما دفع عشرات آلاف الجنود والضباط إلى ترك جيش السلطة والالتحاق بالجيش الحر.

ولم يعد مناسبا وضع تسمية الجيش السوري الحر بين قوسين، فرغم انتشار عشرات آلاف المسلحين من قوات النظام العسكرية وتشكيلات الأمن والمخابرات، وآلاف من عصابات الشبيحة قتلة الأطفال، «لفرض» وجود نظام الحكم في العاصمة، وكلها أصبحت قوات قمع واحتلال. فرضت كتائب الجيش الحر وجودا غير عادي في قلب دمشق وريفها. ومعظم ما يطلق عليه ريف دمشق هو في الواقع جزء أساسي من قلب العاصمة من الناحيتين السكانية والعمرانية.

ومهما تكن الاشتباكات في دمشق، فإن حملات النظام الدموية تثبت أنه يفقد أعصابه بقرارات كارثية. يقابله نجاح الشعب في تشكيل الكتائب الثورية بموارد ذاتية بسيطة، وتأمين طرق إمداد لتأمين عناصر الكفاح المطلوبة للتحرك في أكثر من مكان. ولم يعد ضروريا الخوض في شرح علامات تراجع قدرات النظام، فقتل الأطفال، واتخاذهم دروعا في عمليات المجابهة مع الجيش الحر، واستهداف النظام للمراكز الدينية والمدنية في قلب دمشق، واستخدامه القنابل المسمارية والفسفورية، وما يقال عن أكثر من ألف عملية اغتصاب لنساء، وزج النظام بكل قواته وأجهزته، وتمكن مسلحي الثورة من اقتحام مواقع عسكرية محاطة بترتيبات أمن قوية، وتطور تسليح الجيش الحر، وإغلاق أكشاك عملاء الأجهزة المنتشرين في قلب دمشق بسبب الرفض الشعبي لها. كلها عوامل من مئات المؤشرات، التي تؤكد حدوث تطورات حاسمة في سير الصراع.

الأمين العام للأمم المتحدة تحدث أكثر من مرة بجرأة عما ينبغي القيام به لوقف عنف النظام، كما أعرب هو والأميركيون وكوفي أنان.. عن تخوفهم من انزلاق الوضع إلى حرب أهلية، يمكن أن تمتد إلى مناطق خارج سوريا، قبل أن توصف كذلك لاحقا. والسؤال الذي يطرح الآن هو: أليست هذه حربا تشنها سلطة الدولة على مناطق انتشار الغالبية الساحقة من الشعب السوري؟ والجواب المنصف الوحيد هو: نعم إنها حرب تحد من طرف واحد. ويلاحظ مما يدور إعلاميا أن الثوار تحديدا والمعارضين عموما منتبهون إلى حصر دائرة الخصومة بحفنة أشخاص، وليس بالطائفة العلوية وعموم البعثيين، لأن تعميم الاستهداف خطأ كارثي، ليس لأنه يطيل ما بقى من عمر النظام فحسب، بل لأنه غير منصف، ويقود إلى مشكلات يحتاج التخلص منها إلى عقود من المرارة.

إصرار الأغلبية الاجتماعية على ممارسة حقها في الحكم على أسس سياسية ديمقراطية، لا يعطي مسوغا لأي طرف لفهم الصراع من زاوية طائفية. فمقاومة الديكتاتورية لا تتحدد بهوية دينية أو عرقية، وإلا، لما انتفض الشعب الليبي على القذافي، ولما انحازت القوات المسلحة المصرية إلى جانب الشعب، وكلهم من حملة هوية واحدة.

ومع أن النظام يفقد السيطرة، والثوار ينتشرون بنجاح، ينبغي توقع استخدام أوسع للقوة من قبل النظام، مما يشكل خطرا جديا على المستقبل، يتطلب تعزيز خطوط الاتصال والتفاهم والتنسيق بين المعارضة والمجموعة الدولية ودول غربية وعربية، لإعطاء صورة واضحة ودقيقة عما يجري على الأرض. ففي ميادين الصراع تنقلب المعادلات أحيانا نتيجة ظروف معقدة، ومن الضروري تجنب المبالغة في الوصف، ولا بد من قياس المعنويات على أساس المعدل العام، وتقويتها وتعزيزها بهمم ومعنويات الأقوياء. والأهم من هذا كله هو أن تبقى التصرفات موافقة للمعايير الأخلاقية والدولية، مهما تمادى الطرف الآخر في ظلمه.

وأمام التضحيات الضخمة، والاستخدام المفرط للقوة من قبل النظام، أصبحت مسؤولية المجتمع الدولي كبيرة في نصرة الشعب السوري. فيما يتحمل العرب مسؤولية تاريخية تجاه الأجيال والتاريخ وأمام الله.