ما الخطب الذي أصاب بلادنا؟!

TT

انظروا إلى ملوك وأمراء إيران خلال العقود الثمانية الأخيرة. لقد توفي رضا شاه - مؤسس الأسرة البهلوية - عام 1944 في منفاه في إحدى الجزر المنسية بجنوب أفريقيا، كما لاقى ابنه محمد رضا شاه مصيرا مماثلا، حيث مات وهو في المنفى في القاهرة عام 1980، وفر أول رئيس إيراني - وهو أبو الحسن بني صدر - من إيران بعد عامين من توليه منصب الرئاسة، وهو يعيش منذ ذلك الوقت في باريس، ولقي الرئيس الثاني رجائي مصرعه مع رئيس وزرائه باهنر في هجوم إرهابي بعد ثلاثة أشهر فحسب من توليهما لمنصبيهما الجديدين، ويعيش هاشمي رفسنجاني وخاتمي حاليا موقفا في غاية التعقيد، وأخيرا يشهد أحمدي نجاد حاليا أسوأ أيامه في الرئاسة، وهو ما تبدى كذلك في الحوار الذي أجرته معه مؤخرا مجلة «دير شبيغل» الألمانية، الذي قال فيه إنه قرر أن يعتزل السياسة إلى الأبد، رغم أنه كان قبل أسبوع يقف في البرازيل لهداية العالم والحديث عن الروحانيات والعدالة والتسامح… إلخ.

وانظروا إلى تاريخ العراق، حيث يوجد طارق الهاشمي - نائب رئيس الوزراء - حاليا في منفاه في تركيا.

وانظروا إلى باكستان، وما حدث لضياء الحق وبرويز مشرف وبي نظير بوتو ونواز شريف، وآخرهم جيلاني، الذي أصدرت المحكمة العليا حكما بعزله من منصبه.

وانظروا إلى مصر، حيث قامت المحكمة الدستورية العليا بحل البرلمان، وحينما يبدأ الرئيس الجديد مهام منصبه، فسوف يضطر إلى العمل تحت إشراف المجلس الأعلى للقوات المسلحة. وفي ظل عدم وجود مساحة حركة أمام الرئيس، فلن يكون هناك أي فارق بين محمد مرسي وأحمد شفيق.

تخيلوا أننا ننظر إلى هذا الأمر من منظور شخص أجنبي، وليكن بريطانيا مثلا أو فرنسيا أو يابانيا أو صينيا، كيف سيكون حكمنا على هذا الشكل الغريب والغبي من أشكال الحكم؟!

ثم انظروا إلى سوريا أيضا، حيث يقتل النظام شعبه كل يوم. وفي العراق، كل أسبوع يسقط شيعة أو سنة ضحايا للتفجيرات الانتحارية، والشيء نفسه يحدث في اليمن وباكستان وأفغانستان وغيرها. هل يبدو من هذا أننا نسير في الطريق الصحيح؟! ما الخطب الذي أصاب بلادنا؟! لماذا أصبحنا كما يقول الله في كتابه العزيز: «يخربون بيوتهم بأيديهم» (الحشر: 2)؟!

إننا نهدر الكثير والكثير من الوقت والمال في تدمير بلادنا وشعوبنا، أو زعزعة أساساتها، على حد تعبير بول تيليش، عالم اللاهوت المسيحي الشهير. لماذا نمارس هذا التدمير وتلك الزعزعة؟! لأننا نظن أننا نسير في الطريق السليم، أو بحسب الوصف القرآني: «قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالا. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا» (الكهف: 103، 104).

وحينما ننظر إلى الناتج النهائي، نجد كثيرا جدا من الكوارث والأزمات التي يعاني منها العالم الإسلامي، ولكن حينما نستمع إلى ما يقوله القادة والرؤساء، يبدو لنا أنهم يحاولون دوما تبرير قراراتهم وأفعالهم، وإذا تجرأ أحد على انتقادهم، يكون جزاؤه الإلقاء في السجن أو النفي خارج البلاد. وقد تناول تيليش جذور ذلك التدمير الذاتي في كتابه «زعزعة الأساسات»، فنحن نذكر أن القذافي وعلي عبد الله صالح دأبا على استعمال مصطلحات دينية لتبرير ما يرتكبانه من قتل للناس وقصف للمدن، وقد كانت هذه النقطة أحد المحاور الرئيسية التي ركز عليها تيليش، فقال: «هناك جنود تحولوا إلى أنبياء، ورسالاتهم لا تختلف كثيرا عن أنبياء بني إسرائيل في القدم. إنها رسالة زعزعة الأساسات، وهي ليست أساسات أعدائهم، بل أساسات بلادهم هم.. وكما يقول سفر أشعياء: (هو ذا الرب يخلي الأرض ويفرغها.. انتفى سرور الأرض، وغرب كل فرح. الباقي في المدينة خراب، وضرب الباب ردما)» (بول تيليش، «زعزعة الأساسات»، ص7).

باختصار، نحن نواجه الكثير من الأزمات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في كل البلدان التي ذكرناها، حيث يبرز بوضوح غياب الشرعية والديمقراطية والحرية والأخلاقيات الإسلامية وعدم وجود صناع قرار مقبولين من الناس.

لماذا يتصور جندي أو ضابط عسكري أنه يحمل رسالة سماوية وأنه ينبغي أن يهدي العالم إلى الخلاص؟! للأسف، لقد تهنا وسط عاصفة الحوادث التي شهدتها ثورات الربيع العربي، وبالتالي لم نتحر الأسباب الروحية التي تقف وراء سقوط القادة في تلك البلدان.

لقد كان مبارك ممددا على سريره داخل قاعة المحكمة وهو يرتدي نظارة سوداء، إلا أنه كان يرتدي ساعة يد سويسرية باهظة الثمن وفي منتهى الفخامة، وقد اهتم بعض الصحافيين بهذه الساعة، واكتشفوا أن ثمنها يزيد على 25 ألف دولار. يحدث هذا في دولة مثل مصر، التي يقل الراتب الشهري لموظفي البلدية بها عن 50 دولارا.

وهذه النظارات السوداء هي أكبر حاجز يمنع الإنسان عن رؤية الحقيقة، كما أن هذه الساعة الفخمة لن تفيد في رؤية الأفق. ولا أود التركيز كثيرا على مسألة النظارة السوداء أو الساعة الفخمة، بل هي مجرد دلالات رمزية.

ومن المؤكد أننا نتحكم في مصيرنا، فهذه مشيئة الله، لكننا في هذه اللحظة ندمر بلداننا وشعوبنا، ثم نزعم أن قدرنا هو أن نكون شهداء على الناس. انظروا إلى نصائح أحمدي نجاد السبع التي قدمها إلى العالم في ريو دي جانيرو. لقد بدا أنه يؤمن حقا بأنه قادم من الجنة، وكان يتحدث إلى الناس كما لو كانوا يعيشون الآن في الجحيم. هذه في رأيي هي المشكلة الرئيسية في البلدان الإسلامية.