حديث في التوظيف العالمي!

TT

تخوض السعودية منذ فترة تحديا مهما في مواجهة البطالة المتفاقمة في أوساط شبابها والتي بلغت نسبة كبيرة استدعت التحرك بقوة واستحداث برامج توطين للوظائف بشكل أكثر فعالية عن السابق.

ويبدو أن البرنامج يركز بشكل أساسي على فكرة الإحلال الوظيفي؛ أي توظيف السعودي المواطن بدلا من الأجنبي المقيم، وهي لأجل التقليل من تحويلات المقيمين للخارج التي ترهق الاقتصاد الوطني، وتحسين فرص توظيف الشباب الوطني، ولكن هناك صعوبة تحقيق إحلال كامل لكل الوظائف التي يقوم بها الأجانب في السعودية؛ لأن الرقم «الكبير» الذي يتم الرجوع إليه حين يتم الحديث عن العمالة الأجنبية في السعودية (وهو ثمانية ملايين موظف) يغفل أن نسبة كبيرة من هذا الرقم هي للعمالة المنزلية من خادمات وخدم وسائقين، وهي مهن لا يرغب فيها السعوديون، وبالتالي سيبقى الرقم كبيرا وإن قل بطبيعة الحال.

واليوم وزارة العمل السعودية تدرك ذلك الأمر جيدا، وهي المسألة التي أجبرتها على تطوير العلاقة التعاقدية للعمالة المنزلية مع سبع دول آسيوية مهمة لها تاريخ طويل مع السعودية، وإن كان قد أصاب هذا التاريخ الكثير من الجدل والبلبلة، مما أثر على العلاقة، وبالتالي أوقف العلاقات التعاقدية معها واضطر السعودية لفتح أسواق جديدة مع دول آسيوية وأفريقية بتجارب تتفاوت بين النجاح المحدود والفشل الكبير.

ولكن اليوم، الاقتصاد السعودي هو أحد أهم الاقتصاديات المهمة جدا عالميا، ويشهد نسب نمو لافتة ومتواصلة بحاجة ماسة للخبرات والإمكانيات البشرية المميزة التي ستكون بمثابة ميزة مضافة وفرصة تطويرية له، وبالتالي هناك نافذة من الفرص الفريدة الموجودة على الساحة العالمية اليوم مطلوب التفكير فيه بتأنٍّ وروية وبدون عواطف مبالغ فيها.

السوق الاقتصادية العالمية، وخصوصا في الدول الصناعية الكبرى، تعاني مر المعاناة من ركود هائل وأزمة مالية خانقة كان من نتائجها الاستغناء عن أرتال من الموظفين والتنفيذيين المؤهلين جدا يقدر عددهم بعشرات الآلاف.

واليوم هناك دول «انتبهت واستيقظت» لهذه الفرصة الذهبية للحصول على مواهب فذة واستثنائية بتكاليف مغرية جدا، مع وجود تعداد سكاني محلي كبير، ولكن تبقى المهارات والخبرات والكفاءات ذات الطابع الفريد إضافة مهمة للاقتصاديات الناشئة، وأهم الدول التي أقدمت على استغلال هذه الفرصة الذهبية هي البرازيل صاحبة الاقتصاد السادس في العالم، وتستقطب الآن المصرفيين ومديري المحافظ المالية والمحامين والمهندسين، وهناك الهند التي تستقطب التنفيذيين في مجال التقنية والإعلام والتعليم.

وهناك أستراليا التي تشهد طفرة هائلة في قطاع التعدين بسبب النهم الصيني لهذا القطاع، وبالتالي تستقطب الكفاءات المميزة في التعدين من عمال ومهندسين، وهناك روسيا التي اتجهت بقوة لمنح تراخيص تنقيب مغرية في البحار والقطب الشمالي للبحث عن النفط هناك، وأهم من منحوا هذا الامتياز مؤخرا شركة «أكسون موبيل» الأميركية العملاقة، وبالتالي هناك مغريات هائلة لكل من يعمل في قطاع الغاز والنفط ومشتقاته من مهندسين وعمال وتقنيين.

وهناك كندا التي تتمتع باقتصاد مستقر وثابت ولديها مغريات ضريبية ونظام صحي متطور وتفتح أبوابها لكل التخصصات بلا استثناء.

ويقدم على هذه الوظائف في هذه الدول وغيرها طبعا مواطنو الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا واليونان وإيطاليا والبرتغال وفرنسا وإسبانيا وآيرلندا، وهم من خلفيات وخبرات مهنية مهمة ومميزة ويقبلون الآن بأجور ومميزات أقل بكثير مما كانوا يتقاضونه منذ عام وأكثر. السعودية البلد الاقتصادي الأكبر عربيا مقدم على خطط تنموية طموحة جدا، ومطالب بالحفاظ على المكتسبات التي حصلت في العقود الماضية، وبالتالي لا بد أن يكون هناك توافق في استقدام الخبرات المميزة وتوظيف الكفاءات الوطنية، أي أن يكون الموضوع متوازنا بين الطموح الكمي والضرورة النوعية حتى يكتب لمفهوم العمل والتوظيف أن يتحقق بشكل متكامل، فلا تكون الفرحة بتحقيق نسبة توظيف محلية متصاعدة والتضحية بالنوعية والخبرات التي تحدث التطوير المطلوب والنقلة المرجوة في الفكر والأداء.

ولا يمكن، وحتما غير مقبول، أن تكون النظرة «استثنائية» للعمالة المنزلية، أو يتم الاستعانة بخبرات الحكام الأجانب في مباريات كرة القدم ويتم العزوف والخوف والتردد والقلق من استخدام الكفاءات والخبرات العالمية المميزة، خصوصا في ظل عالم منفتح واقتصاد يسعى للتواصل والتكامل مع سائر العالم.

التفكير في استغلال فرصة الكفاءات والخبرات العالمية الموجودة اليوم تحد يواجه السعودية، اليوم ستستفيد الكثير منه لو أحسنت استغلاله، وخصوصا أن هناك مجالات كثيرة لا تلبيها مخرجات التعليم المحلية، لا كما ولا نوعية.

[email protected]