حوار الحضارات

TT

في المؤتمر الفريد من نوعه الذي نظمته الجامعة العربية امس وردت عبارتان على لسان الامين العام للجامعة عمرو موسى ووزير الثقافة اللبناني غسان سلامة تستحقان التوقف امامهما والتفكير فيهما طويلا، الاولى حينما تساءل موسى في خطابه قائلا: «ألم نخطئ نحن ايضا وهل قمنا بكل ما كان يجب علينا القيام به؟»، بينما قال سلامة: «اذا كان الاصل قبيحا فلن يفلح العطار في اصلاحه».

قبل الدخول في التفاصيل يتوجب التنويه بمبادرة الجامعة العربية التي بدأت تمد جسورها الى اصحاب الفكر والشخصيات العامة غير الرسمية وتبنت هذا المؤتمر بعد احداث 11 سبتمبر (ايلول) الماضي في محاولة لصياغة رؤية تستطيع ان تقف امام محاولات لصق ما حدث بالثقافتين العربية والاسلامية وذلك حسب ما اعلن عن اهداف المؤتمر او المنتدى.

والسؤالان اللذان طرحهما موسى وسلامة يصبان في خانة واحدة، هي فتح الباب امام نقد الذات لمعرفة ما اذا كانت هناك اخطاء ارتكبت واين؟ وذلك كخطوة اولى ضرورية من اجل الاصلاح.

ولا بد من الاعتراف بان احداث 11 سبتمبر الماضي شكلت صدمة ليس فقط للغرب وانما ايضا للعرب والمسلمين الذين وجدوا انفسهم في موقف دفاعي امام فعل ادانته الغالبية العظمى منهم، لكنهم مع ذلك وجدوا انفسهم مشتبها فيهم ازاء سيل من الافكار والتحليلات والتعليقات، بعضها يحاول ان يفهم والثاني قد يكون فيه سوء نية حول الثقافتين الاسلامية والعربية.

وقد اخذ رد الفعل في الغرب اتجاهين بعد احداث 11 سبتمبر; الاول امني وتمثل في الاعتقالات والتحقيقات والتخوف والشكوك في المهاجرين من اصل عربي او اسلامي، والثاني فكري وتمثل في سيل التعليقات والتحليلات والافكار التي طرحت ووصل بعضها الى طرح رؤى، بينها ان هناك حربا اهلية داخل الاسلام نفسه او ان الثقافتين العربية والاسلامية هما بالاساس ثقافتان غير ديمقراطيتين ولا تؤمنان بالتعدد.

وكان التصريح الشهير المنسوب الى رئيس الوزراء الايطالي سيلفيو برلسكوني حول تفوق الحضارة الغربية ابرز ما أخذ على السياسيين الغربيين في معركة الثقافات هذه، رغم ان الرجل سارع الى نفي ما نسب اليه وقال انه حرّف، ومع ذلك فان كثيرين في عالمنا رفضوا ان يصدقوه وتمسكوا بما نسب اليه اولا واهملوا النفي.

وهذا احد اوجه المشكلة فاذا كنا نريد حوارا لا صداما حضاريا، فان جزءاً من التصرفات المحسوبة علينا تحتاج الى مراجعة ، فاذا كنا نريد من الآخرين ان يفهمونا فعلينا ان نحاول ان نفهم ثقافة الآخرين على حقيقتها بعيدا عن فكرة ان العالم لا همّ له سوى التآمر علينا.

الجانب الاخر من نفس القضية هو ان بعض الاسئلة التي تطرح في تحليلات وتعليقات حول اوضاع العالمين العربي والاسلامي لها اساس، وتحتاج الى ان تطرح داخل المجتمعات العربية، فمهما حاولنا ان نشن حملات تنوير ودعاية فانها لن تحقق شيئا ما لم يكن ما تحتويه هذه الحملات يعكس حقائق قائمة على الارض، فلن نستطيع مثلا ان نضحك على العالم ونقول ان مجتمعاتنا تتمتع بديمقراطية افضل منهم، وان كنا نستطيع ان نجادل باننا نعمل على السير في هذا الطريق حسب درجة تطور مؤسسات المجتمع ونضجها شرط ان يكون ذلك صحيحا. اخيرا، من المؤكد ان تيارات في الغرب قد تكون تسعى الى استغلال ما حدث في تأجيج صدام الحضارات الذي يتحدث عنه الجميع، لكن هناك ايضا في العالم العربي والاسلامي تياراً قويا يسعى ايضا الى هذا الصدام بكل قوة حتى يستطيع عزل مجتمعاته عن العالم وفرض افكاره عليها، ولا يحتاج الامر الى الكثير لرؤية هذا التيار، فيكفي فتح التلفزيون لمشاهدة بعض القنوات الفضائية العربية.