سر المقرحي

TT

قبل سنوات عدة اتصل بي زميل مصري من سجن في اسكتلندا. وقال: عبد الباسط يحب يكلمك. وكان الزميل قد قال لي قبل أشهر إن عبد الباسط حزين بسبب ما أكتبه عنه، وهو رجل يصر على براءته، فهل لديك مانع في أن يكلمك؟ إطلاقا. قال لي عبد الباسط إن براءته سوف تظهر ذات يوم. وبدوري وعدته بأن أتوقف عن التهكم.

عندما توفي المقرحي أخيرا شعرت أن «جريمة القرن» الماضي، سوف تسجل في التاريخ كأحجية أخرى. كيف يمكن، لرجل واحد، أن يدبر تفجير طائرة جامبو، من دون أوامر عليا، ومن دون إعلان الغاية من ذلك؟ وإذا كان إنسان عادي مثلي غير مقتنع بذلك، فكيف اقتنعت الدول الثلاث المعنية مباشرة: أميركا وبريطانيا وألمانيا؟

اتجه التحقيق في البداية إلى الظن في إيران، ثم في أحمد جبريل، رئيس الجبهة الشعبية – القيادة العامة. ونام في أدراج «إف بي آي». طوال عامين، تقرير من مخبر ليبي في مالطة، أن ضابط المخابرات في الخطوط الجوية الليبية، المقرحي، قد يكون شريكا في العملية. كانت تلك هي الحقيقة الثابتة الوحيدة، وهي وظيفة المقرحي. لكن ممن يتلقى أوامره؟ والذي يعطيه الأوامر، ممن يتلقى هو أوامره؟

بعد تحقيقات ومحاكمة طويلة تمت التسوية بين الغرب وليبيا على 259 جثة بينهم 6 ضباط كبار في أمن الخارجية الأميركية وضابط كبير في «سي آي إيه». وربما عندما قرأ القذافي التفاصيل شعر بابتهاج عرف عنه لدى سماعه أنباء القتل. وقد أسمعنا الزميل الراحل أسعد المقدم تسجيلا لمقابلة معه وهو يقهقه عندما سأله عن رجل اتهمت المخابرات الليبية بخطفه وتصفيته في باريس.

كان رونالد ريغان قد أمر بقصف منزل القذافي بعد عدة عمليات ضد الأميركيين أمر هذا بها. وبدأت بعدها دورة من العنف والثأر. كما بدأت مرحلة من التكاذب والعض على الأصابع. وعندما أفرجت اسكتلندا عن عبد الباسط بداعي المرض، حرص القذافي على أن يقيم له استقبال الأبطال، وإلى جانبه «بلاي بوي» أوروبا ودكتور الجامعات، سيف الإسلام.

بعد تسوية لوكيربي وضرب العراق شعر بطل الفاتح بالخوف فدمر أمام الأميركيين كل الأسلحة الدمارية لديه. وجاءته وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس فكتب لها قصيدة، لكنها نجت بنفسها منه، كما قالت في مذكراتها.

ثم جرت الجولة الأخيرة من المبارزة بعد الثورة. أرسلت أميركا هذه المرة بوارجها فيما هو يهدد بضرب الداخل الأميركي. وفي المشهد الأخير قامت طائرة من دون طيار بإرشاد الثوار إلى مكانه. الذين كانوا في طرابلس يسيئون معاملة المقرحي.