هل تستغل بعض الدول أزمة منطقة اليورو كمبرر للإخفاق؟

TT

شهد الأسبوع الماضي إجراء الانتخابات اليونانية وقمة العشرين، بينما يشهد الأسبوع الحالي عدة لقاءات قمة أوروبية. لقد توقعت منذ بضعة أسابيع هنا في مقالي بصحيفة «الشرق الأوسط» تصويت اليونانيون لصالح حكومة ملتزمة بتنفيذ واجبات الدولة.

وعندي ثقة في الناس أكبر من بعض المعلقين الآخرين. بعد الأحداث التي شهدتها منطقة اليورو، الأسبوع الماضي، لا تزال المنطقة تعاني من الكثير من المشكلات، لكن ربما تستخدم تلك المشكلات لتبرير الإخفاقات الاقتصادية لدول أخرى. التقى قادة دول منطقة اليورو الأربعة يوم الجمعة الماضي في روما قبيل قمة الاتحاد الأوروبي المزمع عقدها الأسبوع المقبل حول أزمة اليورو، واتفقوا مبدئيا على اتخاذ إجراءات لتعزيز النمو بنسبة 1 في المائة من المخرج الاقتصادي لدول منطقة اليورو.

كذلك سعى القادة إلى التوصل لاتفاق بشأن مقترحات أخرى بتحقيق تكامل أكبر. وصرحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل للصحافيين بأن النمو وثبات الوضع المالي وجهان لعملة واحدة، مؤكدة على أهمية وجود تكامل سياسي أكبر. وكان من المتوقع أن تشمل محادثات يوم الجمعة تقديم إسبانيا طلبا رسميا بالحصول على مساعدة مالية من دول منطقة اليورو. مع ذلك لم يأتِ ذكر أي طلب في المؤتمر الصحافي الذي عُقد عقب المحادثات. وقال الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند إن الأربعة قادة وافقوا على الدفع باتجاه فرض ضريبة أوروبية على المعاملات المالية، كما تعهد الرئيس الفرنسي في برنامجه الرئاسي. ويوجد مركز مالي عالمي واحد في أوروبا وهو لندن. وتضر هذه الضريبة بشكل غير متناسب بمدينة لندن. وفي الوقت الذي يعقد فيه الاجتماع في روما، تقابل وزراء مالية دول الاتحاد الأوروبي في لوكسمبورغ من أجل عقد محادثات حول تعميق تكامل القطاع المصرفي في دول منطقة اليورو. وكان وزير المالية البريطاني، جورج أوزبورن، من ضمنهم، ويبدو أنهم لم يوافقوا على فرض ضريبة المعاملات المالية على مستوى الاتحاد الأوروبي ككل. ولن يحدث هذا في بريطانيا إلا إذا طُبق في مراكز مالية دولية غير أوروبية أخرى. لقد أشرت من قبل إلى استغلال مشكلات منطقة اليورو كمبرر في أماكن أخرى. وهناك رابط لا يمكن محوه بين الإنتاج والاستهلاك. لقد فشلت الدول المنتجة في وضع خطط مستقبلية عقلانية للأوقات التي تقل فيها السلع والخدمات في الدول الاستهلاكية. إنهم يدفنون رؤوسهم في الرمال عندما يفكرون في كيفية توفير ثمن السلع والذي كان يحدث عن طريق الاقتراض. لا توجد حاجة إلى شخص عبقري لاكتشاف أن ذلك الأمر لم يكن يملك مقومات استمراره، وأنه كان من الخطأ تحميل أوروبا وحدها مسؤولية الانكماش الاقتصادي بسبب زيادة العرض. تميل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى الاستهلاك الزائد، ونتيجة لذلك أصبحت دولا مستهلكة للسلع المقبلة من الدول الأخرى. وتصدر دول أخرى مثل ألمانيا واليابان وبعض الدول ذات الاقتصادات الناشئة، مثل الصين وماليزيا، السلع للولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوروبي مما يمنح القطاع المالي بها حافزا للتوجه نحو الخارج. ليس مفاجئا بالنسبة لي أن يوضح آخر مؤشر لمديري المشتريات في مصرف «إتش إس بي سي»، تراجع قطاع المصانع في الصين للشهر الثامن على التوالي في يونيو (حزيران)، في إشارة إلى احتمال استمرار حالة التراجع الاقتصادي حتى الربع الثالث من العام.

وتمثل اليونان داخل منطقة اليورو نموذجا كلاسيكيا لخطر الإسراف في البرامج الاجتماعية الحكومية. ولا يمكن فصل مبالغة اليونان في الإنفاق عن حاجة ألمانيا إلى التصدير. وساهمت أحداث أخرى في هذه المشكلة، فقد ارتفعت أسعار النفط بداية العام الحالي بسبب التوترات بشأن طموحات إيران النووية والتهديدات الإيرانية بإغلاق مضيق هرمز الذي يعد طريقا استراتيجيا لنقل النفط. وكان لذلك تأثير على تكاليف المواد الخام وتكلفة السلع النهائية. وكان ليتم تحمل مثل هذه الأمور في أوقات الرخاء، لكن في هذه الأوقات العصيبة لا توجد مرونة كافية لتحمل تكلفة الإنتاج المرتفعة هذه. إذا تفكرت في وجهة النظر التي أوضحتها، الأسبوع الماضي، وفكرت في هذا الأمر من منظور منتجي النفط، ستعتقد في صحة منطق جون هال، المحلل في شؤون سوق الطاقة، الذي قال خلال الأسبوع الحالي: «هناك الكثير من النفط المعروض في السوق لضخ السعوديين كمية من النفط كافية للتعويض عن العجز الناتج من نقص النفط الإيراني، وهناك قلق بالغ من المنحى الذي ستتخذه الأمور بسبب الوضع الاقتصادي». على الجانب الآخر، إذا قبلت النظرة المتفائلة والتوجه الإيجابي الذي تروج له المملكة العربية السعودية، والذي كتبت عنه الأسبوع الماضي، سيكون لانخفاض أسعار النفط خلال الأسبوع الحالي تأثير إيجابي على تعافي الاقتصاد العالمي. وسيصحب هذا التعافي مجموعة من الأمور الإيجابية المتشابكة. الوضع سيئ في منطقة اليورو، لكن خفضت الحكومة الإسبانية تقديراتها الخاصة بحاجة المصارف إلى زيادة رؤوس أموالها إلى 62 مليار يورو. ويعد هذا أفضل من مبلغ الـ100 مليار يورو المشروط الذي وضعته منطقة اليورو جانبا من أجل إنقاذ المصارف الإسبانية. ويناقش قادة الدول الأوروبية استخدام أموال خطة الإنقاذ المالي في شراء سندات سيادية وخفض سعر الفائدة التي تتكبدها دول مثل إسبانيا وإيطاليا. أشعر أن الإنجازات في روما رمزية أكثر من كونها حقيقية. ولم يتم التوصل إلى اتفاق بشأن فكرة السندات الأوروبية وهي ديون حكومية تشترك في دعمها دول منطقة اليورو، التي عارضتها ألمانيا على الأقل على المدى القريب.

مع ذلك، في نهاية المحادثات التي استغرقت أقل من ساعتين، لم يتم التوصل إلى أي اتفاق بشأن إصدار الحكومات الأوروبية للسندات الأوروبية التي تستخدم في تمويل ميزانية حكومات دول الاتحاد الأوروبي.

ومع ذلك، تعد هذه نقطة انطلاق مهمة قد تؤدي إلى نشر الإحساس بالثقة، ولكن من الضروري أيضا أن تكون هذه الانطلاقة جزءا من برنامج طويل ومستمر من الخطوات التصحيحية؛ فالمشكلة كبيرة ولا تمس الأوروبيين وحدهم.

وبالنظر إلى حجم التغييرات التي يتعين القيام بها، لا بد أن تكون الحكومات أكثر صدقا فيما يتعلق بحجم ديونها، وسوف يكون من الحكمة أن يضغط الناخبون الصغار على الساسة كي يسددوا تلك الديون في أقرب وقت ممكن. وهذا هو أول موضوع سيتم تناوله في سلسلة «محاضرات ريث»، التي تقدمها هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) هذا الصيف، ومن المقرر أن يلقيها المؤرخ الاقتصادي الشهير نيال فرغسون. وسوف تتناول هذه السلسلة، التي تحمل عنوان «سيادة القانون وأعداؤه»، تأثير المؤسسات التي ينشئها الإنسان على نمو الاقتصاد العالمي وعلى الديمقراطية.

وقد كان منتقدو الديمقراطية الغربية على حق في القول بوجود خلل ما في مؤسساتنا السياسية، وأوضح الأعراض الناتجة عن ذلك الخلل هو تلك الديون الضخمة التي تسببنا في تراكمها خلال العقود الأخيرة، والتي لا يمكن إلقاء اللوم فيها على الحروب - على عكس ما كان يحدث في الماضي.

وطبقا لصندوق النقد الدولي، فسوف يصل إجمالي الدين الحكومي في اليونان هذا العام إلى 153 في المائة من إجمالي الناتج المحلي، مقابل 123 في المائة بالنسبة لإيطاليا، و113 في المائة بالنسبة لآيرلندا، و112 في المائة بالنسبة للبرتغال، و107 في المائة بالنسبة للولايات المتحدة، ويقترب دين بريطانيا من نسبة 88 في المائة، بينما تعد اليابان رقم واحد على مستوى العالم، حيث يقارب جبل الديون الذي يثقل كاهل حكومتها 236 في المائة من إجمالي ناتجها المحلي، وهو ما يتجاوز ثلاثة أضعاف ما كانت عليه قبل 20 عاما.

وقد كتب المنظر السياسي إدموند بيرك منذ عام 1790 يقول: «المجتمع في الحقيقة هو عبارة عن عقد، فالدولة هي عبارة عن شراكة، ليس بين من يعيشون فيها فحسب، بل بين من يعيشون ومن ماتوا ومن سيولدون أيضا».

وسوف يتناول بروفسور فرغسون أسباب الأزمة المالية العالمية، وما خلص إليه الكثيرون من استنتاجات من خلالها بشأن دور الضوابط التنظيمية، وسوف يتساءل الرجل عما إذا كان فرض الضوابط التنظيمية هو «المرض الذي يزعمون أنه هو العلاج»، فقد أصبح لدينا حاليا من يتشكك في هذا.

* أستاذ زائر في «كلية إدارة الأعمال» بجامعة «لندن متروبوليتان» ورئيس مجلس إدارة شركة «ألترا كابيتال»