المستثمرون يحاولون تجاوز مأزق «عدم اليقين»

TT

انتقل قلق صناع السياسة المهووس في أوروبا من اليونان إلى إسبانيا بما فيها من مصارف معتلة وعائدات كبيرة على السندات. وكانت هناك مؤشرات على التباطؤ الاقتصادي في كل من الصين والولايات المتحدة. ومن الصعب على المستثمرين في مختلف الأنحاء استجماع ثقة كبيرة؛ لذا كان من المناسب أن تكون الكلمة التي اجتمع عليها مصرفان كبيران خلال الأسبوع الماضي وتعبر عن المزاج العام هي «التخبط»، التي ظهرت في عنوان تقرير «إتش إس بي سي غلوبال ريسيرش» وهو «تخبط هائل». ويتضمن التقرير إجلالا واضحا لعالم الاقتصاد جون مينارد كينز. وكما أوضح مصرف «إتش إس بي سي»، كيف كتب كينز عام 1930 بكلمات تبدو غريبة على عصرنا هذا: «لقد وضعنا أنفسنا في حالة من التخبط الهائل وتعثرت خطانا تحت وطأة ماكينة دقيقة لا نفهم طريقة عملها. والنتيجة هي أن احتمالات تكوين ثروة قد تضيع هباء لفترة من الوقت، ربما تكون طويلة». واستخدم «باركليز» تعبيرا كئيبا مشابها لوصف الوضع الحالي في تقرير خاص به بعنوان «النظرة المستقبلية العالمية: منخفض من التخبط المثير للتوتر». مثل «إتش إس بي سي»، أوضح مصرف «باركليز» محذرا من أنه في الوقت الذي تحاول فيه الحكومات والبنوك المركزية جاهدة أن تمنع وقوع الكارثة، تتراجع احتمالات تعافي الاقتصاد العالمي بقوة. وأعلن مصرف «إتش إس بي سي»: «مشاكل الديون الأوروبية والأميركية غير قابلة للحل، وحتى الدول العملاقة الصاعدة تتباطأ خطاها. سيشتري منقذو العالم سندات لا سلعا، وهو ما يزيد الأمور سوءا». وقال لاري كانتور، رئيس الأبحاث المقيم في نيويورك، في تقرير «باركليز»: «عاد التوتر الذي يحيط بمنطقة اليورو مع رغبة في الانتقام وهيمن على الأسواق المالية». في الوقت الذي سيتمكن فيه صناع السياسة من تفادي كارثة محققة في منطقة اليورو على الأرجح، سيستغرق وضع إطار جديد أقوى لمنطقة اليورو سنوات. على الجانب الآخر، المستثمرون الذين يواجهون مشاكل في أوروبا وأنحاء أخرى حول العالم، عالقون، حيث يتعين عليهم اكتشاف طرق للخروج من حالة التخبط هذه. وما يثير رعب بعض المستثمرين هو تشوش وتخبط واضعي سياسة مجلس الاحتياطي الفيدرالي أنفسهم، حيث قرروا الأسبوع الماضي تمديد فترة برنامج غير سليم لشراء الأصول إلى نهاية العام على الرغم من أنه كان من المقرر أن ينتهي نهاية الشهر الحالي. ولم يكن هذا مرضيا للأسواق. وتتضمن العملية، التي تعرف باسم «عملية التواء خط شراء وبيع السندات الطويلة وقصيرة الأجل» ويطلق عليها مجلس الاحتياطي الفيدرالي وصفا أقل خيالا وهو «برنامج تمديد موعد الاستحقاق»، استبدال سندات ذات أجل قصير في محفظة مجلس الاحتياطي الفيدرالي مقابل سندات ذات أجل أطول تشترى من السوق المفتوحة. الهدف من هذا هو خفض سعر الفائدة على القروض طويلة الأجل، مما يشجع على الاقتراض ويساعد في تعزيز سوق الإسكان الراكدة وكذا الأسواق الأخرى.

سيعمل التمديد الذي يشمل سندات بقيمة 267 مليار دولار على احتفاظ مجلس الاحتياطي الفيدرالي بدوره المهيمن على سوق السندات. وسيحافظ على المعدل الشهري الذي يقدر بـ44.5 مليار دولار على شراء السندات ذات الأجل الطويل منذ بداية العمل بالبرنامج شهر سبتمبر (أيلول) الماضي. مع ذلك من غير المرجح أن يكون لتمديد العمل بهذا البرنامج تأثير كبير، حيث يرى توماس لام، الخبير الاقتصادي في «أو إس كيه - دي إم جي غروب» في سنغافورة، أن هذا سيؤدي إلى انخفاض العائدات على سندات الخزانة ذات الأجل الطويل بقدر ضئيل يتراوح من خمس إلى ثماني نقاط أو ما يعادل 0.05 إلى 0.08 في المائة مقارنة بصافي انخفاض يتراوح من 8 إلى 12 نقطة في الشكل الأول من البرنامج. ومع ارتفاع سعر سندات الخزانة إلى مستويات استثنائية أدت إلى انخفاض العائدات إلى مستوى غير مسبوق، من المرجح أن يكون لهذه الخطوة تأثير محدود. على الأقل توقعت الأسواق هذا المستوى من تدخل مجلس الاحتياطي الفيدرالي، بينما كان يتوقع بعض المتداولين مستوى أكبر، لذا ربما تكون أهم إجراءات البنك المركزي رمزية. لقد أطلق مجموعة من المؤشرات التي تدل على استعداده لتقديم مساعدة أكبر في حال تدهور هذا الوضع المتأزم بشكل كبير. وربما يكون الأهم من ذلك كما أشار لام هو وعد مجلس الاحتياطي الفيدرالي في بيان رسمي باتخاذ المزيد من الإجراءات بحسب ما يستدعي الموقف في حال تدهور ظروف العمل في الولايات المتحدة أكثر من ذلك. ومع وصول معدل البطالة إلى 8.2 في المائة وزيادة طلبات الإعانة المقدمة من قبل الأميركيين، ومع تدفق البيانات الاقتصادية الناعمة من عدة جهات، يراقب مجلس الاحتياطي الفيدرالي الظروف جيدا عن كثب، على حد قول بن برنانكي، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي. وخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي سقف توقعاته الاقتصادية بشدة، حيث توقع أن يزداد النمو الاقتصادي بنسبة تتراوح بين 1.9 في المائة و2.4 في المائة خلال العام الحالي، أقل بنصف في المائة من توقعاته منذ شهرين. ورجح مجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يظل معدل البطالة على ارتفاعه لأشهر. ومع اقتراب الانتخابات التي يفصلنا عنها نحو أربعة أشهر، كانت تلك التوقعات قاتمة بالنسبة لإدارة أوباما. مع ذلك قال برنانكي إن مجلس الاحتياطي الفيدرالي مستعد للانخراط في جولة ثالثة من مشتريات الأصول على نطاق واسع تعرف باسم «التيسير الكمي» في حالة الحاجة إلى ذلك.

على الجانب الآخر، لا يزال الجمود، الذي يصاحب العام الذي يشهد إجراء الانتخابات الرئاسية بشأن السياسة المالية، مستمرا. وكرر برنانكي تحذيره من أن يؤدي خفض الإنفاق وزيادة الضرائب التي من المقرر تنفذيها بداية العام المقبل إلى «جرف مالي» يمكن أن يفضي بدوره إلى إلحاق ضرر بالغ بالاقتصاد الأميركي. ومن المرجح أن يزداد هذا قوة مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.

لا يوجد الكثير مما يدعو إلى التفاؤل، حيث يتباطأ النمو الاقتصادي في الصين والهند، وتعاني أغلب دول أوروبا من تراجع اقتصادي، ويحاول قادة الدول الأوروبية جاهدين احتواء الأزمة في إسبانيا، ورأب التصدعات المتسعة في الاتحاد الأوروبي. ما الذي بوسع المستثمرين فعله في هذه الأجواء؟ وحذر مصرف «إتش إس بي سي» في تقريره موضحا: «من منظور تخصيص الأصول، نحن نبتعد حاليا عن المخاطرة، ونفضل الآن سندات الخزانة الأميركية والذهب. ومع تركيز الحكومات، على الأقل في أوروبا، على تجاوز الصعوبات وحالة التخبط، من المرجح أن تتجه أي سياسة إلى تفادي احتمال التراجع بدلا من تحقيق نمو مادي».

واعترف مصرف «باركليز» بالحاجة إلى الحرص. وقال كانتور إنه في هذا المناخ الحالي «من السهل المسارعة باللجوء إلى تغطية وتفادي أي نوع من المخاطر». مع ذلك بسبب قيام الكثير من المستثمرين بذلك، زاد سعر الأصول التي تبدو آمنة مثل سندات الخزانة والسندات الألمانية. وكتب: «بالنسبة للمستثمرين الذين يستطيعون تقبل التقلبات على المدى القصير ويركزون على العائدات المتوسطة إلى طويلة الأجل، من الحكمة عدم الانحراف كثيرا بعيدا عن المخاطرة المحدودة». المستثمرون بحاجة على نحو أو آخر إلى التوصل إلى طريق للخروج من هذه الوضع المتأزم.

* خدمة «نيويورك تايمز»