مصر: الـ12 مليونا الخاسرين!

TT

متابعة تعليقات النشطاء والمتابعين على المواقع الاجتماعية خلال المؤتمر الصحافي لرئيس لجنة انتخابات الرئاسة المصرية، فاروق سلطان، الذي اضطر بحكم القانون إلى عرض طويل قانوني قبل إعلان النتيجة، كانت متعة في حد ذاتها، وهؤلاء النشطاء في حالة عصبية وتتقلب تعليقاتهم بين ثانية وأخرى من استدلال أن هذا السرد أو هذه الكلمة تعني أنه سيعلن شفيق فائزا، ليعود نفس المعلق بعد ثانية أخرى ليكتب أن هذا يدل على أنه سيعلن فوز مرسي، وآخر يتهم رئيس اللجنة بالسادية لأنه لا يعلن النتيجة فورا ويترك المتابعين تحرق أعصابهم، وهو يستعرض عمل اللجنة والظروف الصعبة التي تعرضت لها.

رغم سيل التنظير ونظريات المؤامرة والتزوير والحديث عن التفاهمات في الغرف المغلقة، لم يكن أحد متأكدا على وجه اليقين من اسم المرشح الذي سيعلن فائزا حتى أعلن رئيس اللجنة فوز محمد مرسي أمام أحمد شفيق، ليبدأ فصل جديد في مصر بعد 25 يناير (كانون الثاني) تحدياته لا تقل عن الفترة الانتقالية التي استمرت نحو 16 شهرا وحفلت بالاضطرابات.

هناك فائز وخاسر ولكل منهما جمهور واسع صوت له ولا يستطيع أي منهما أن يلغي الآخر، فالنتيجة جاءت بفارق أقل من 3% أو نحو 900 ألف صوت من بين نحو 26 مليون ناخب أدلوا بأصواتهم حسب أرقام اللجنة من بينهم أكثر من 800 ألف صوت باطلة، لكن في النهاية يجب أن يقبل الجميع بنتيجة الصندوق الذي ارتضوه حكما بينهم حتى لو كان الفارق ضئيلا.

الفارق الضئيل له عدة معان؛ أهمها أن لا أحد يستطيع أن يقول إن لديه تفويضا شعبيا مطلقا، وثانيا أن هناك حالة انقسام مجتمعي تمثلت في التصويت المتقارب تقريبا من حيث عدد الأصوات بين الناخبين.

وقد كانت بادرة جيدة من المرشح الخاسر أحمد شفيق أن يقوم بتهنئة خصمه في برقية بعد إعلان النتيجة ويتمنى له التوفيق، وقد تكون نصيحة أوباما له بأن لا ينسحب من العمل السياسي لإثراء التجربة فكرة جيدة ما دام أنه استطاع أن يحصل على هذا العدد من الأصوات. كما كانت بادرة جيدة من الرئيس المنتخب مرسي في بيانه الأول التأكيد أنه سيكون رئيسا لكل المصريين، وإشارته إلى كل المحافظات بما في ذلك المحافظات التي لم تعط أصواتها له؛ وبخاصة في الدلتا. فإذا أريد التأسيس لتجربة ديمقراطية قابلة للاستمرارية فيجب ترسيخ تقليد قبول الخسارة واحتواء الفائز الخاسرين، بحيث لا تكون الانتخابات نتيجتها دم وعنف كما كانت بعض التوقعات أو التصريحات النارية تشير في فترة العد التنازلي لإعلان لجنة الرئاسة قرارها بشأن الطعون.

والحقيقة التي يجب أن تكون في ذهن اللاعبين السياسيين في الساحة المصرية هي أنه إذا كان هناك 13.2 مليون ناخب أعطوا أصواتهم إلى مرسي ورجحوا كفته فإن هناك 12.3 مليون أعطوا أصواتهم لشفيق وخسروا، لكن هواجسهم وآراءهم يجب أن تكون جزءا من المعادلة الجديدة إذا أريد للمسيرة أن تتقدم إلى الأمام، خصوصا أن هناك شبه قناعة بأن هناك عدة ملايين أعطوا أصواتهم لهذا المرشح أو ذاك كرها للاتجاه الآخر لأن ليس لديهم خيارات أخرى.

وإن كان الاثنان، الفائز والخاسر، وخوضهما الجولة الثانية من انتخابات الرئاسة مفاجأة في حد ذاتها مخالفة لأغلب توقعات المحللين، فلم يتوقع أحد لا مرسي ولا شفيق في الأسابيع والأيام التي سبقت الجولة الأولى للانتخابات والتي وضعت شخصيات أخرى في المقدمة، لكن يبدو أن الرأي العام له وجهة نظر أخرى.