ماذا في الاسم؟

TT

يظهر انني وقعت في سحر كلمات جولييت، صاحبة روميو، عندما تساءلت، ماذا في الاسم؟ الوردة تعبق بنفس الرائحة مهما اعطيتها من اسم. اتذكر شتى ما يقوله اصحابي من كلمات جديرة او نكات او اشعار حلوة ولا استطيع ان اتذكر اسماءهم. وهذه محنة كبيرة بالنسبة لي. فليس من اللياقة ان ينسى الانسان اسماء اصحابه، وبالنسبة لي حتى وجوههم احيانا. اواجه هذه المحنة كلما ذهبت الى ندوة او حفلة او القيت محاضرة. يأتي احد من الحاضرين، يصافحني ويحتضنني ويقبلني ويكلمني ويقول: شلونك يا ابو نايل، والله من زمان ما شفتك، لكن اسأل عنك باستمرار، تتذكر ايامنا الحلوة بباريس.. ويمضي الرجل بالكلام وانا احك رأسي احاول ان اتذكر من هو وماذا كان اسمه. اتركه يتكلم منتظرا منه اشارة او تلميحة تذكرني به. انجح احيانا في ذلك، او يلاحظ هو وجومي فيسعفني باسمه. والا فأشعر بإحراج كبير.

بيد ان بعض الناس الاذكياء يدركون هذه المشكلة فيبادرون الى تفاديها من الاول. من هؤلاء الاذكياء صديقي أيسر ياسين، رئيس تحرير مجلة «العربي» سابقا. التقيت به في الرياض فخف وبادر لمصافحتي وتقبيلي ولكنه عاجل فقال، اعرف انت ناسيني وما راح تتذكر اسمي. انا أيسر ياسين من «العربي». انحلت المشكلة فقبلته ثانية وقلت اهلا حبيبي ايسر (ولكن هل كان في الواقع ايسر ام انور؟ نسيت. ربما كان انور ياسين... او ربما انور ياسمين. نسيت. لعن الله الشيطان. وعلى كل حال فاعتذر لأيسر اذا كان اسمه انور، ولأنور اذا كان اسمه أيسر).

تتعاظم هذه المشكلة عندما التقي بأصدقاء مدشدشين ومشمغين، فالشماغ يغطي جانبي الرأس. وهذه مشكلة بالنسبة لي كواحد من المبنطلين. التقي بهم في لندن عندما يلبسون السترة والبنطلون ولكنهم في محيطهم الخليجي يلبسون الدشداشة والشماغ والعقال، فتختفي آذانهم تحت الشماغ ويتعذر علي التعرف بهم. فقد اعتدت على التعرف بأصدقائي العرب من آذانهم لا من وجوههم، وذلك لانني اتكلم معهم همسا في اذنهم مهتديا بقول الرصافي: يا قوم لا تتكلموا، ان الكلام محرم. ولكنهم عندما يضعون الشماغ تختفي اذانهم فلا يعود بإمكاني التعرف بهم.

مشاكلي في معرفة الناس واسمائهم لا حد لها. وقعت بواحدة منها قبل ايام. خابرتني سيدة فاضلة تطلب مني مساعدتها بتزويدها بأسماء بعض الناس المهتمين بالقضية الفلسطينية لغرض التوقيع على عريضة احتجاج وجمع تبرعات منهم لنشرها. قلت لها انا ضعيف في تذكر الاسماء. اعطيني يومين ادقق في مفكرتي وأعد لك ذلك. خابرتني بعد يومين فرحت املي عليها الاسماء واعطيها خلاصة عن كل شخص. وصلت الى السيدة (م. ش) قلت لها هذه امرأة مهتمة بالشرق الاوسط. ولكن لا تتوقعي منها ان تتبرع بشيء فهي بخيلة جدا. زرتها مرتين قبل سنوات ولم تقدم لي حتى فنجان قهوة. ولكنها تحب التظاهر والشهرة. وعندما ستسمع ان اسماء الموقعين ستنشر في الجرائد، ستوقع على العريضة فورا. ولكن لا تنتظري منها اي شيء آخر. لا يهمها شيء في الدنيا غير الفلوس. ولا يوازي بخلها غير قبح شكلها. ثم مضيت لاعطيها اسمها الكامل وعنوانها. قالت لا تكلف نفسك بذلك. فأنا تلك السيدة التي تذكرها.