الإرهاب في مصر.. بين التواصل والانحسار

TT

بدأت في مصر محاكمة 94 متهما من التنظيمات الاسلامية المتطرفة في وقت اشتغل فيه الناس بالحديث عن الارهاب بعد أحداث 11سبتمبر (ايلول) الماضي في نيويورك وواشنطن.

وهذه المحاكمة التي يقدم فيها المتهمون الى محكمة عسكرية تبعا لقانون الطوارئ تثير قضية هامة، هي الأسلوب الواجب للتعامل مع هؤلاء الذين يلجأون الى الارهاب تحت ستار الدين الاسلامي الحنيف والبريء مما يرتكبون، وهي ظاهرة ليست قاصرة على مصر وانما انتشرت في بعض الدول العربية والاسلامية، وان كانت مصر هي أول دولة عانت من الارهاب المتخفي في ثياب الدين منذ منتصف القرن الماضي تقريبا عندما اغتال المحامي محمود العيسوي وكان منتميا لجماعة الاخوان المسلمين أحمد باشا ماهر يوم 24 فبراير (شباط) عام 1945وكان قد تولى رئاسة وزارة ائتلافية من احزاب الاقلية قبل أيام فقط بعد اقالة الحكومة الوفدية، وذلك اعتراضا على اعلانه اشتراك مصر في الحرب ضد المحور، وكان قد أقدم على ذلك حتى تدخل مصر الى هيئة الأمم المتحدة.

ولم يتوقف مسلسل الارهاب والاغتيال السياسي من افراد ينتمون اساسا الى الاخوان المسلمين وما تفرع منها بعد ذلك من تنظيمات أكثر تشددا وتطرفا، ولكنه امتد ليسجل أكبر عدد من الاغتيالات السياسية، في بلد عربي، فقد تم اغتيال محمود فهمي النقراشي باشا رئيس الوزراء الذي خلف أحمد ماهر باشا، وكامل بك الخازندار رئيس المحكمة التي حاكمت المتهمين، واللواء سليم باشا زكي حكمدار العاصمة وذلك خلال فترة لا تتجاوز أربع سنوات، وتم اغتيال الشيخ حسن البنا أول مرشد عام لجماعة الاخوان المسلمين كرد فعل من جانب الحكومة وأجهزة الأمن.

ولم يقتصر الارهاب والاغتيال السياسي على الفترة التي سبقت ثورة 23 يوليو 1952، وانما تواصل بعدها رغم ان عددا من قيادات الضباط الاحرار كانوا ينتمون الى جماعة الاخوان المسلمين، وان الثورة لم تتخذ قرارا بحل الجماعة مع قرار حل الاحزاب السياسية في يناير (كانون الثاني) عام 1953.

ولم يفطن الاخوان المسلمون الى ان اتفاقهم مع حركة الجيش هو أمر لا يمكن ان يدوم لتنازع السلطة، ولذا سرعان ما حدث التصادم عندما حاول محمود عبد اللطيف عضو الجهاز السري لجماعة الاخوان المسلمين اغتيال جمال عبد الناصر يوم 26 اكتوبر (تشرين الاول) عام 1954، وهو يخطب في ميدان المنشية بعد توقيع اتفاقية الجلاء.

ولم تقف محاولات الجماعة للسيطرة السياسية عن طريق الاغتيال والارهاب بعد ذلك رغم ما تعرضت له جماعة الاخوان المسلمين من مطاردات ومحاكمات وصلت الى الحكم باعدام بعض قادتها، ولكنها تواصلت بعد اكتشاف تجمع جديد للاخوان منتصف الستينيات واعتقال قادته ومحاكمتهم ثم خروج تنظيمات فرعية أكثر تشددا وتطرفا.

ولم تعد الأمور بعد ذلك تحت السيطرة التامة لقيادة جماعة الاخوان المسلمين التي حرصت على أن تأخذ خطا أكثر اعتدالا وان تسلك سبيلا أكثر بعدا عن الارهاب والتطرف، ومع ذلك فإن جماعات ارهابية حملت اسماء اسلامية مزيفة واصلت نشاطها الاجرامي واغتالت الرئيس أنور السادات والشيخ محمد حسين الذهبي وزير الأوقاف، وحاولت اغتيال الرئيس محمد حسني مبارك في أديس أبابا كما اغتالت الدكتور رفعت المحجوب رئيس مجلس الشعب وقامت بمحاولة اغتيال الدكتور عاطف صدقي رئيس الوزراء الأسبق، ومحمد صفوت الشريف وزير الاعلام، وقامت أيضا بعدة عمليات ارهابية في ميدان التحرير أمام المتحف بالقاهرة، وفي الأقصر.

والقضية المقدمة اليوم للمحكمة العسكرية العليا تحمل قرار اتهام يتضمن انضمام المتهمين الى جماعة سرية اسمها «الوعد» أسست على خلاف أحكام الدستور والقوانين، وحيازة مواد مفرقعة وأسلحة نارية وذخائر بدون ترخيص، ووضع مخطط لاغتيال كبار الشخصيات الأمنية والعامة في البلاد، وهو أمر يدل على أن الخطر الارهابي ما زال كامنا رغم يقظة رجال الأمن وكراهية الشعب المصري للعنف وللارهاب.

وتبين انضمام أصحاب جنسيات أخرى الى التنظيم، واستقدام خبراء في تصنيع المتفجرات، وانشاء معسكرات تدريب في الخارج، مما يظهر ان تنظيمات الارهاب لم تعد محلية وانما أصبحت لها مصالح دولية، والظروف اليوم لم تعد تحتمل أي نوع من التهاون مع الارهاب أو الارهابيين، خاصة بعد أن ثبت ان جهات خارج مصر كانت تقوم بتمويلهم وتشجيعهم واتاحة فرصة السفر لهم الى الخارج، كما حدث مع الشيخ عمر عبد الرحمن الذي سهلت له المخابرات المركزية الاميركية فرصة الحصول على تأشيرة دخول الى اميركا من سفارتها بالخرطوم من دون علم السلطات المصرية، وما حدث أيضا مع عدد من الشخصيات التي تعيش في دول أوروبا وتنعم بما تيسر فيها من حريات لتواصل تشكيل تنظيماتها وتدبير خططها الارهابية والأمثلة على ذلك كثيرة والأسماء معروفة.

وبعد احداث 11سبتمبر تحولت بعض الدول التي ساندت الارهاب وفتحت أبوابها للارهابيين في الماضي الى دول معادية للارهاب ومقاومة له بعد أن وصلت أخطاره اليها، وهو أمر بدت مظاهره الايجابية في مقال نشره السفير الاميركي في مصر دافيد ولش تحت عنوان «دفاعا عن الحرية وسحقا للارهاب»، ذكر فيه انه قتل مواطنون أبرياء من 80 دولة في الهجوم على المركز التجاري العالمي والبنتاغون. واشاد فيه بموقف مصر الثابت من الارهاب وهي التي عانت من ويلاته حتى استطاعت دحضه ـ على حد تعبير السفيرـ.

ولا شك ان الموقف الاميركي الجديد الذي أعلن الحرب على الارهاب، وموقف بعض دول أوروبا التي بدأت التحقيق مع عدد من المطلوبين وتسليم بعضهم الى مصر وغيرها يمكن ان يحقق نتائج ايجابية لمقاومة الارهاب والقضاء عليه بعد أن لم تعد أمامه أبواب مفتوحة يلجأ اليها، وبعد ان استشعرت بعض الدول أن السكوت عن الارهاب والارهابيين أمر بالغ الخطورة قد يرتد اليها بأخطار رهيبة.

وأخيرا، فإن مقاومة الارهاب لا تعتمد على قوانين الطوارئ وأجهزة الأمن وحدها، وانما تعتمد أيضا على تجفيف منابع الارهاب بمحاربة البطالة والفساد وتوفير الديمقراطية وحقوق الانسان وازالة الأسباب الاقتصادية والاجتماعية التي تدفع ببعض المواطنين الى التطرف والارهاب. كما ان أجهزة الثقافة والاعلام مطالبة بدور تنويري هام يؤكد سماحة الاسلام وان الارهاب هو نتاج فئة خارجة عن صحيح الدين وأن الدين لله والوطن للجميع.

وهذه هي المسؤولية الأساسية لأنظمة الحكم المختلفة التي تحرص على انحسار الارهاب وتوفير الأمن والاستقرار.