دقت ساعة العمل الحقيقي

TT

أول رئيس منتخب لمصر. ليست نسبة الفوز معقولة فقط، بل مقبولة أيضا، في البلد الذي اخترع شيئا يسمى 99.999 في المائة، شاء من شاء، وأبى من أبى، اقترع أو لم يقترع. نسبة تكفي للفوز لكنها لا تكفي لتغيير النظام ولا لقلب المؤسسات ولا لفرض الأحكام المطلقة. كذلك هي أول مرة يطلب فيها «الإخوان» عبر الاقتراع والقبول بمبدأ المشاركة وليس عبر الفكر الإلغائي وثقافة العنف والجدل الذي لا يقبل إلا بالانتصار.

هذه ليست تونس، وليست ليبيا، وليست العراق.. هذه أول تجربة من نوعها ومن حجمها في بلاد العرب وأفريقيا. إما أن يؤكد الرئيس أنه رئيس لمصر، بكل طبقاتها، بجميع تراثها، وإما أن يكون، باختصار، رئيس حزب. وعلى الطريقة العربية: محاسيب وفساد، ورفض الشركاء الآخرين، سواء كانوا أكثر تحفظا أو أكثر موضوعية.

سوف يكون الحساب والمقارنة شديدين. فأمام الجميع تجربة «الحرية والعدالة» في تركيا، وهي أفضل حكم عرفته أنقرة منذ «تركيا الفتاة». الرجل المعروف بـ«مؤذن إسطنبول»، وكان بائع عصائر قبل أن يصبح أول حاكم إخواني، أثبت أنه يحترم مفهوم الديمقراطية التي جعلته يخترق جمهورية أتاتورك. وأول مفاهيم الديمقراطية التكرس لخير الناس وليس للثأر من كل الآخرين. وأول شيء في خدمة الناس، خدمة كرامتهم، في الرغيف وفي التعليم وفي الدواء وفي ضمان الشيخوخة التي قال ديغول إنها خرف بلا توقف.

جعل الأتراك العمل في خدمة الإسلام، والإنتاج في خدمة المسلمين. وخرج أردوغان إلى مصالحة كل معاد سابق، بمن فيهم أرمينيا، وطبعا سوريا، حيث سقطت المصالحة سريعا مثل سواها. لن يكون ذلك سهلا على مصر، التي اعتادت حياة الميادين، واعتادت الخطب كمقياس ونتيجة. لكن ما من حل آخر أمام «الإخوان» الذين كسبوا بلا شك معركتي الرئاسة ومجلس الشعب، وقد يكسبون معركة الأخير مرة ثانية.

في الأولويات أيضا أن هذه أول جمهورية عربية لها رئيس ومرشد.. أو العكس، أي مرشد ورئيس. وفي ذلك نقض للدستور الذي لم يوضع بعد، إلا إذا نسخ الدستور العتيد المفهوم الإيراني للحكم الدنيوي بدل الإفادة من تجربة الحكم التركي في كل معالمها ومفاصلها، حيث تَحقق كثير من الحرية وكثير من العدالة، مقارنة طبعا بالأنظمة السابقة، وليس بمفهوم الحرية والعدالة في الدول الأخرى. أخذ الرئيس محمد مرسي الرئاسة في مصر، وليس مصر. هناك معارضون كثيرون، وهناك خائفون كثيرون، وهناك قلقون كثيرون. فإذا استطاع أن يطمئنهم، أخذ مصر حقا.

تحية للرئيس الجديد.. وأتمنى أن يكون أول عمل يقوم به هو دعوة الملايين الفرحين بحياة الهواء الطلق للعودة إلى مصانعهم وبيوتهم ومدارسهم وأعمالهم الاجتماعية، ومد الجسور في تماسك المجتمع المصري. ومن ليس له مصنع أو شركة أو عمل فلتساعده الدولة على إقامته. عامان من الميادين يكفيان. دقت ساعة العمل الحقيقي.

* تصويبات

* ورد خطأ في المقال أعلاه، إذ جاء في المقال (..وفي ضمان الشيخوخة التي قال ديغول إنها خرف بلا توقف). والصحيح هو (..وفي ضمان الشيخوخة التي قال ديغول إنها غرق أحيانا). لذا لزم التنويه.