القلقون من الرئيس.. والرئيس القلق

TT

ربما لم يحظ رئيس منتخب باستقبال واعتراف وتهنئة من رؤساء العالم كما حظي محمد مرسي فور إعلان فوزه برئاسة مصر. هذه السرعة من قادة الدول تدلل بشكل قطعي على أن مصر عبرت مرحلة صعبة كانت تشكل قلقا كبيرا لدول ترتبط بمصر ارتباطا قويا اقتصاديا وسياسيا، وأن دور مصر المحوري الذي تجمد، قد حان وقت تفعيله، بصرف النظر عن تفاصيل الانتخاب وهوية الرئيس.. يكفي أن أغلبية المصريين اختاروا مرسي حتى وإن كان بفارق ضئيل عن منافسه.

في رأيي أن هناك ثلاثة تحديات حالية تواجه الرئيس المنتخب؛ ميدان التحرير المسكون بالمحتجين على تفاصيل لم تعد ذات أهمية، ونصف المصريين الذين لم يختاروه وسينتظرون فرصا سانحة لإثبات وجهة نظرهم، والتحدي الثالث هو تطمين الدول العربية والأجنبية بأن الرئاسة الجديدة صفحتها بيضاء لا تحمل بقايا رسومات تخطيطية من حزب الإخوان المسلمين.

من حق الإخوان المسلمين في غزة وسوريا والمغرب العربي الاحتفاء بفوز مرشحهم الرئاسي، مثلما من حق سكان محافظة الشرقية؛ مسقط رأسه، أن يفاخروا بأن رئيس الدولة واحد منهم.. إنما الانتماءات الصغيرة الحزبية والمناطقية يفترض أن لا تعلو على الانتماء الوطني، لذلك سيطالب المصريون رئيسهم الجديد بأن يفي بوعده بأن يكون رئيسا لكل المصريين؛ الأقباط والسلفيين والليبراليين واليساريين وحتى الملاحدة.. أي أن يكون مسؤولا عن كل حقوقهم المشروعة، وكفيلا بتوفير حياة كريمة لهم بما تملكه الدولة من مقدرات وإمكانات، وبإقامة العدل بينهم، من دون تفرقة على أي أساس؛ مهما كان.

لدى مرسي فرص ذهبية في بداية عهد رئاسته لإثبات صدق وعده وصفاء سريرته، ليطمئن بها المتوجسين منه أو المتخوفين من هيمنة «الإخوان» على مراكز الدولة الحيوية، خاصة أن تجربة «الإخوان» في مجلس الشعب غير مشجعة، حيث أشاعت الخوف منهم وقلصت عدد مؤيديهم عندما شعر الناس بأنهم جاءوا بنية الهيمنة أكثر من الرغبة في الإصلاح. أبرز هذه الفرص المتاحة لمرسي مؤسسة الرئاسة والحكومة، الذي هو بصدد إعادة ترتيبهما. سيكون الاختيار صعبا لأنه يتطلب إرضاء كل الأطراف المختلفة، ولكنه ممكن، لأن كل فريق لديه من المرشحين المؤهلين من هو قادر على إدارة الدولة في هذه المرحلة العصيبة اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا. أما خارجيا، فمعظم الأنظار ترقب سياسة الرئيس الجديد تجاه طهران، المتورطة في سوريا، وصاحبة الملف النووي الشائك، والمغضوب عليها من دول الخليج.. كيف ستكون طبيعة العلاقات المصرية - الإيرانية في عهد رئاسة «الإخوان»؟ هل يمكن القفز على أسباب الخلافات القديمة التي بدأت في عهد جمال عبد الناصر مع إيران الشاه، ثم اختلاف السادات مع الثورة الخمينية، واستمرار تداعياتها حتى عهد مبارك؟

الطبيعي أن الرئيس الجديد غير ملزم بأي من مواقف الرؤساء السابقين، بل إن من مصلحة مصر أن تعزز علاقاتها الدولية في جميع الاتجاهات حتى تستطيع أن تمارس دورها الإقليمي بصفتها دولة عربية كبرى. المشكلة أن مرسي سيظل في أذهان الدول، كما هو في أذهان الأفراد، منتميا، ولو فكريا، إلى جماعة الإخوان المسلمين، على الأقل حتى يستطيع أن يثبت مرسي العكس. المخاوف هي أن يصبح مرسي مثل خالد مشعل؛ السني الذي توجه لزيارة مرقد الخميني بعد فوز حركة حماس بالانتخابات التشريعية الفلسطينية عام 2006 ومال إلى كفة حلفاء إيران على حساب القضية الفلسطينية وعلاقة حماس بالدول العربية.

المشكلة ليست في إقامة العلاقة نفسها؛ بل في تفاصيل هذه العلاقة من حيث مستوى عمقها وتأثيرها على الدول الأخرى، خاصة في هذا الوقت المأزوم، وفي وجود أطراف إقليمية تمارس التصعيد لمواجهة عسكرية في المنطقة.

التحديات أمام مرسي واضحة ومعروفة، والفرص قائمة ومتاحة، والخيارات تبقى مفتوحة.

* كاتبة سعودية

[email protected]