في ظلال «الإخوان»

TT

صبرت جماعة الإخوان المسلمين وظفرت.

الفوز الرئاسي لمحمد مرسي، وتربع جماعة الإخوان المسلمين على رأس أكبر دولة عربية، لا يقل أهمية عن اندلاع ثورة 25 يناير (كانون الثاني) والسقوط المدوي لحسني مبارك. عملية تبادل الأدوار التي أتاحتها الثورة في مصر قلبت الموازين، مهما قيل عن اتفاقات خفية بين الجماعة والمجلس العسكري أو تفاهمات ضمنية مع واشنطن، أو حتى إصرار العسكر على التمسك بتلابيب الحكم لمدة قد تطول أو تقصر. بات السجان حسني مبارك مع جماعته وراء القضبان، ووصل السجين محمد مرسي مع حزبه وزملائه المضطهدين إلى السلطة. درس يتوجب أن يبقى نصب أعين الحكام الجدد. لا شيء يدوم، حتى في هذا العالم العربي الذي ظن البعض أنه تحنط وإلى الأبد. لعبة تداول السلطة، وإن طال الزمن، هي الثابت التاريخي الأكيد.

«الإخوان المسلمون» فازوا، كرهنا أم أحببنا، بغالبية المقاعد البرلمانية ومن ثم برأس السلطة، بصرف النظر عن الأسباب والمسببات والدوافع التي يحلو للممتعضين اجترارها، حيث لم تعد تجدي حملات التنفير والتشويه. على العقلاء، وتحديدا أولئك الغاضبين والخائفين منهم، أن يقبلوا بشروط اللعبة وينتظروا ليروا. المجلس العسكري لن يتوانى عن وضع العصي في دواليب مرسي وإعطائه الصلاحيات بالقطارة، لكن العجلة في مصر انطلقت، وما تبقى هو مسألة وقت.

على الفائزين الجدد أن يدركوا أن الفرصة التي انتظروها أكثر من 75 سنة وأتتهم بعد سجن وتعذيب وسفك دماء، قد لا تعوض إن لم يعملوا الحكمة ويستنفروا طاقاتهم الإبداعية والتسامحية، تحديدا مع من لا يشاطرونهم الرأي ووجهات النظر.

الإسلاميون وصلوا إلى السلطة في تونس ومصر، بعد أن قطفوها وخطفت منهم في الجزائر وفلسطين. وقريبا قد نرى إسلاميين في اليمن أو ليبيا وربما سوريا أيضا. لكن مصر أمر آخر. النموذج المصري سيحدث فرقا، سيتحول إلى مكان اختبار لقدرة الحركات الإسلامية على اتخاذ قرارات تجاري العصر، وتجمع الناس بدل أن تفرقهم، وتتغلب على آيديولوجيتها في سبيل بناء دولة مدنية فعلية، جامعة لكل مواطنيها.

الجماعة التي تأسست عام 1928 بما لها من باع طويل في السياسة والتنظيم المحكم والتخطيط، هي من أعتق حركات الإسلام السياسي الحديث، وأكبرها وأكثرها تمددا إلى ما يقارب 72 دولة إسلامية. مجرد وصول «الإخوان» إلى السلطة في مصر سيعطي نفحة إنعاش إضافية للحركات الإسلامية في المنطقة. النجاح المستقبلي ولو النسبي لـ«الإخوان» في مصر قد يغير وجه العالم العربي كله في السنوات العشر المقبلة من حياتنا. هذا لا يعني أن المهمة سهلة، بل هي عسيرة ومستعصية. مصر في حالة انهيار، المؤسسات متداعية، والاقتصاد على شفير هاوية، وكثيرون يتربصون بـ«الإخوان» وعهدهم وينتظرون ما سيصدر عنهم. الحكام الجدد، مع صلاحيات محدودة في الوقت الحالي، هامش المناورة لديهم لن يكون كبيرا. المرحلة الأولى قد تمر طويلة وبطيئة، ولن يتمكنوا من تغيير الكثير في ما يتعلق بعلاقات مصر الخارجية ومعاهداتها واتفاقياتها، بما في ذلك معاهدة السلام، وهو ما قاله مرسي بوضوح في خطابه الأول بعد الفوز. الأولوية للمشكلات الداخلية التي وحدها تحتاج ورشة عمل جبارة وسنوات طويلة من الجهد المضني، والمساعدات الخارجية والتمويلية. وهو أمر يريح إسرائيل ويطمئنها على المدى القريب على الأقل، رغم وصول أحد أشد الأطراف معاداة لها إلى الحكم. فـ«الإخوان» لا يملكون اليوم سوى مهادنة إسرائيل للحصول على المساعدات والدعم الأميركيين والتأييد الدولي.

لا بد أن يتخيل واحدنا حسن البنا وسيد قطب يضحكان من قبريهما ويشمتان في العلمانيين، أمام المشهد الذي نعيشه اليوم، وكان يبدو سورياليا غرائبيا منذ أشهر فقط. أكثر من نصف الأحياء العرب لا يشعرون بالراحة والطمأنينة لوصول الإسلاميين إلى السلطة في مصر. وهذا ما يجب أن يدفع بالإسلاميين، و«الإخوان» بشكل خاص، لمراجعة مواقفهم على ضوء المستجدات. مرسي مثلا وصل بنصف أصوات المصريين، فماذا عن النصف الآخر؟ وكيف سيأخذ بعين الاعتبار من لم يختاروه؟

على العرب أن يثبتوا أنهم يستحقون الديمقراطية، وهذا دور العلمانيين والإسلاميين معا. مبروك لـ«الإخوان» من المحيط إلى الخليج فوزهم برئاسة أول وأكبر دولة عربية. نقدر أنهم كافحوا وناضلوا وتعذبوا واضطهدوا، ومن حقهم الوصول حين يختارهم الناس، لكنهم سيندمون أشد الندم لو غاب عن أعينهم درس حسني مبارك وراء القضبان.