الزيارة إلى إسرائيل

TT

أعود مرة أخرى إلى تلك الواقعة. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي والنظام الشيوعي الدولي، أعلنت بغداد رسميا أنها كلفت سفراءها في أوروبا الشرقية دراسة مدى احتمال تأثر الأنظمة العربية المشابهة بما حدث. طبعا كانت نتائج «الدراسات» معروفة سلفا: سيادتكم معصومون عن كل تغيير، لأن هنا غير هناك.

البقية معروفة. وعندما سئل الرئيس السوري عن مدى تأثر بلده بالربيع العربي شرح مطولا، كالعادة، لصحيفة «وول ستريت جورنال» كيف أن سوريا ليست مصر ولا ليبيا، وبالتالي فلا ربيع ولا خوف. وبعد أسابيع كان أطفال درعا، الغارقة في حياة الريف، يحرقون عربة بوعزيزي.

الآن وصلنا إلى مرحلة إسقاط طائرة تركية وبدء خروج الكارثة السورية من الحدود، عملا بتحذير الرئيس السوري قبل أشهر من أن المنطقة كلها سوف تحرق. وفي هذا الوقت كان الرئيس المتجمد القطبي فلاديمير بوتين يزور إسرائيل وتمويها يكمل إلى الأردن والسلطة الفلسطينية. وهذا ثاني خطأ يرتكبه بوتين في حق سوريا. الأول أنه دفع النظام السوري إلى مواجهة تشبه معصومية صدام حسين وإلهام معمر القذافي. إذا كان بشار الأسد اعتقد أن سوريا ليست تونس ولا ليبيا ولا مصر، فإن الروس كانوا يعرفون، وخصوصا ضابط الـ«كي جي بي» السابق في ألمانيا الشرقية، أن وضعها أدق من تونس وليبيا ومصر. وبدل أن يشجع النظام على التدهور والتهور، كان عليه أن يبحث له ولسوريا عن حلول عملية بسيطة وسريعة بدل دفعه إلى هاوية المعاندة والغرور وبحيرات الدم.

ما هذا الغباء أو الصلف السياسي؟ أن ينتقي بوتين أول زيارة رسمية بعد رئاسته الثانية إلى إسرائيل ومعانقة شيمعون بيريس فيما يظهر في الصورة دائما الروسي الأسبق والأخرق الدائم أفيغدور ليبرمان؟ أهو حليف سوريا أم حليف إسرائيل؟ هل همه الدماء التي تراق في سوريا أو التي تراق في غزة فيما تعزف له فرقة إسرائيلية النشيد الروسي؟

سوف تكتشف دمشق بعد فوات الأوان أن أصدقاءها هم الذين قامروا بها. إسقاط الطائرة التركية قمار على الطريقة الروسية بكل وضوح. والدعم الإيراني دعم من أجل إيران وحدها لا من أجل سوريا. على الأقل كان في إمكان الرئيس القطبي أن يؤجل زيارته لإسرائيل فيما تستمر دمشق في القول إن ما يجري هو مؤامرة عليها باعتبارها دولة ممانعة.

هذا الروسي الجليدي الملامح سوف يبقى في ذاكرة النظام السوري على أنه البليد الذي دفعه إلى محاربة شعبه لكي يقوم هو بزيارة إلى إسرائيل، أبرز مستقبليه فيها أفيغدور ليبرمان الذي قال في العرب أحط القول، وبلكنة روسية فاضحة. أول شروط الدبلوماسية الحرص على مشاعر الآخرين، حلفاء أو خصوما. الرئيس الروسي المتكرر تجاوز مشاعر الجميع.