«الإخوان».. من «الثورة» وأحلامها إلى «الدولة» ومتطلباتها التعجيزية!

TT

من حق «الإخوان المسلمين» المصريين وإن من حق «إخوانهم» ومناصريهم في طول الكرة الأرضية وعرضها أن يفرحوا كل هذه الفرحة وأن «يبرطعوا» ويقيموا الأفراح والليالي الملاح بفوز مرشحهم في الانتخابات الرئاسية المصرية. فـ«التفاحة» التي بقوا ينتظرونها لأكثر من 80 عاما ها هي تسقط بين أيديهم في لحظة لم يكونوا ينتظرون أنها ستحل بكل هذه السرعة عندما انفجرت ثورة يناير (كانون الثاني) التي تعاملوا معها في البدايات بخشية وحذر ثم ما لبثوا أن انقضوا عليها عندما شعروا بأن الأمور جدية هذه المرة وأن الفرصة غدت سانحة وأنهم إن لم يسارعوا للإمساك بها وأضاعوها فإنهم سينتظرون قرنا جديدا وسينتظرون ربما 80 سنة أخرى حتى تحين هذه الفرصة مرة أخرى.

ليس مهما الآن، وقد أصبحت «تفاحة» الحكم والسلطة بين أيدي «الإخوان المسلمين»، الحديث عن الطرق التي اتبعوها وكيف استطاعوا قطف ثمار هذه «الثورة» التي يعرف المصريون ويعرفون هم أنفسهم أنها لم تكن ثورتهم، فالمهم هو هل هؤلاء سيستطيعون الحفاظ على ما وصلوا إليه..؟ وهل بإمكانهم حل كل هذه المشاكل المعقدة وأهمها وأخطرها المشكلة الاقتصادية المتفاقمة أم أنهم سيفشلون ويواجهون ثورة ميادين جديدة ستكون بالتأكيد أكثر عنفا من هذه الثورة التي ركبوا أمواجها في لحظة اختلال المعادلات والتي انتزعوها انتزاعا من بين أيدي أصحابها الذين كانوا بدأوها من دون أي برامج مسبقة ومن دون أي تصور للوصول إلى الحكم بعد سقوط نظام حسني مبارك خلال فترة أقل من شهر؟!

وهنا فإن ما يدل على أن «الإخوان المسلمين» لم يكونوا هم أيضا يتوقعون سقوط نظام حسني مبارك بهذه السرعة أنهم بقوا يقدمون رجلا ويؤخرون أخرى وأنهم بقوا يمشون نحو ميدان التحرير ويخرجون منه «كما يمشي الوجي الوحل». وأنهم كانوا مرة يتقربون من المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومرة أخرى يبتعدون عنه «اتقاء للشبهات»، إلى أن تغيرت الأمور بفعل عوامل كثيرة وشعروا بأن «تفاحة» الحكم قد أصبحت في متناولهم، فهجموا عليها كهجوم مجموعة من الجوعى على قصعة طعام!!

كانت التقديرات لدى معظم أطراف المعادلة المصرية المستجدة ولدى الذين يتابعون تطورات ما بعد التاسع والعشرين من يناير 2011. ومن بين هؤلاء بعض الدول الكبرى من بينها الولايات المتحدة، أن «الإخوان المسلمين»، حتى وإن أصبح الحكم في متناولهم، سيكتفون في البداية بتثبيت أنهم لم يعودوا رقما رئيسيا فقط بل الرقم الرئيسي في هذه المعادلة الجديدة وأنهم سيعطون لأنفسهم فرصة للتعرف على الحكم ومشاكله وإشكالاته عن قرب وأنهم سيقحمون غيرهم من مستقلين وغيرهم لمواجهة مشاكل ما بعد سقوط النظام السابق التي كانوا يعرفون هم وغيرهم أن حلها لن يكون سهلا وذلك كي يأتوا في النهاية كمنقذين عندما تتهيأ الفرصة المناسبة الفعلية.

وحقيقة أن هذه التقديرات كان قد التزم بها «الإخوان المسلمون» أنفسهم عندما بادروا في البدايات إلى التأكيد على أنهم لن يخوضوا معركة رئاسة الجمهورية بمرشح لا من حزبهم ولا من «جماعتهم» وأنهم سيكتفون بثلث أعضاء مجلس الشعب وبثلث أعضاء مجلس الشورى لكن هذا كله قد تبخر في لحظة واحدة عندما بادروا إلى التكالب على السلطة والحكم عندما أغراهم فوزهم بانتخابات «البرلمان» وبانتخابات مجلس الشورى بالهرولة لترشيح خيرت الشاطر لخوض معركة رئاسة الجمهورية والهرولة لاستبداله بالرئيس الفائز محمد مرسي عندما أثيرت ضد الأول بعض الاعتراضات القانونية. وهذا ما عرضهم لانتقادات شديدة وإلى اتهامهم بأنهم يريدون «التكويش»، حسب التعبير المصري، على كل شيء وهذا قد أعطى أملا للمنافسين الذين وجدوا في هذا الاستنكاف الشعبي ما يشجعهم على خوض معركة رئاسة الجمهورية وما أعطى بعضهم وفي مقدمة هؤلاء الفريق أحمد شفيق الأمل بالفوز في هذه المعركة التي كاد في حقيقة الأمر يفوز بها لو لم يلجأ «الإخوان المسلمون» ومعهم من انحاز إليهم من الليبراليين والناصريين إلى مناورة إعلان فوز محمد مرسي المبكر ومناورة اللجوء مجددا إلى ميدان التحرير، وبالتالي إلى ابتزاز المجلس الأعلى للقوات المسلحة والدخول معه في صفقة ناجحة.

والآن وقد حصل كل هذا الذي حصل، وفي ضوء كل هذه التعقيدات التي بدأ يواجهها الرئيس المنتخب فور إعلان فوزه، فإن السؤال الذي من المفترض أن «الإخوان» بدأوا يطرحونه على أنفسهم هو: ألم يكن من الأفضل يا ترى لو أننا ذهبنا إلى الحكم والسلطة خطوة بعد خطوة، ولو أننا لم نفعل ما فعلناه بينما الأمور لا تزال عالقة في المساحات الرمادية، وبينما هذا النجاح قد يدخلنا في معركة مواجهة مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة ومع السلطة القضائية ومع قطاعات واسعة من الشعب المصري وبعض قواه السياسية..؟!

والجواب على هذا السؤال، الذي من المفترض أنه متداول في الأوساط القيادية «الإخوانية»، هو: إن المعركة مع السلطة القضائية ومع «العسكر» ومع شريحة واسعة من المجتمع المصري قد بدأت مبكرا إن بالنسبة لموضوع الجهة التي سيؤدي أمامها الرئيس المنتخب اليمين الدستورية وإن بالنسبة لإصرار «شبان الثورة» على البقاء في ميدان التحرير إلى حين إلزام المجلس الأعلى للقوات المسلحة بالتراجع والعودة عن كل قراراته التي يعتبرونها مقيدة لصلاحيات رئيس الجمهورية بما فيها مسألة حل مجلس الشعب وأيضا كل قرارات المحكمة الدستورية العليا المتعلقة بهذا الأمر.

ومما يزيد من التعقيدات التي تواجه الرئيس الجديد محمد مرسي، بالإضافة إلى أنه جاء إلى الحكم بصلاحيات منقوصة ومنزوعة الدسم وأن القرارات الفعلية ستبقى ولربما لفترة طويلة في أيدي «العسكر»، أن الأوضاع الاقتصادية في مصر قد وصلت إلى شفير الانهيار وأن نسبة الفقر المدقع في أوساط المصريين قد تجاوزت الـ40% وأن قوى الشد العكسي في أوساط الإخوان المسلمين ستخلق له مشاكل كثيرة إن بالنسبة للعلاقات مع إسرائيل وإن بالنسبة للعلاقات مع الولايات المتحدة الأميركية.. وإن بالنسبة لعلاقات مصر مع إيران، وأيضا مع بعض الدول العربية.

هناك مثل يقول: «لقد ذهبت السَّكرة وجاءت الفِكرة» والمؤكد أن هذا الرئيس المصري الجديد، الذي ليس له ولا لحزبه و«جماعته» أي خبرة لا بالحكم وشؤونه ولا بالسلطة ومشاكلها سيجد نفسه أمام استحقاقات مرعبة أهمها وأخطرها استحقاق التحديات الاقتصادية الضاغطة والهائلة التي تحتاج معالجتها إلى أوضاع داخلية هادئة ومستقرة وإلى علاقات عربية ودولية جيدة ومتينة وإلى كتلة حاكمة متماسكة وإلى التفاهم تفاهما كاملا مع المجلس الأعلى للقوات المسلحة.. فـ«الثورة» غير «الدولة»؛ الثورة عبارة عن مجموعة من الشعارات والأحلام الوردية الجميلة، أما الدولة فهي معاناة قاسية وهي أشواك ومؤامرات على من هو في مواقع المسؤولية إن من قبل الأعداء وإن من قبل الأصدقاء. وهي - وهذا هو المهم - تحمل مهمة حل مشاكل أكثر من 85 مليون مصري وضمان استقرار علاقات مصر مع دول الجوار وتحديدا مع إسرائيل وبخاصة في هذه المرحلة الانتقالية الخطيرة والحساسة!!