مرسي فوق.. مرسي تحت

TT

لا أدري لماذا أعدت مشاهدة فيلم «مرسي فوق.. مرسي تحت»، ربما بسبب الانتخابات المصرية ونتائجها، وتوقعاتها ولهيب ميدان التحرير بين مؤيدي شفيق ومرسي، وطول خطبة لجنة الانتخابات المصرية، التي قطعت أنفاسنا، قبل أن تقطع صبر المصريين لمعرفة من الفائز برئاسة بلد كبير كمصر.

خُيل لي وأنا أتابع إعلان نتائج الانتخابات المصرية أن ثمة إعادة ثالثة من كثرة الشكاوى وبطلان كثير من صناديق الاقتراع، وعدم تطابق التواقيع مع الأوراق الانتخابية، والأغرب وصول أوراق لمراكز بعينها مؤشرة سلفا لطرف ما، ولكن حسم الأمر وفاز «الإخوان» برئاسة مصر، أعرف بأن النتيجة لم تتعدّ 51.7 المائة من الأصوات التي شاركت وشكلت نسبة 52 في المائة، وهذا يعني أن ربع المصريين الذين يحق لهم الانتخاب انتخبوا مرسي وأقل بقليل من الربع انتخبوا شفيق، وأقل بقليل من النصف فضلوا الصمت والجلوس في بيوتهم، وهذا ما يجعلنا نؤكد أن الصامتين هم من حدد رئيس مصر، وليس من شارك في الانتخابات، على اعتبار أن المشاركين راهنوا على مرشحيهم معا واندفعوا بقوة للإدلاء بأصواتهم، بينما غاب مؤيدو المرشحين الذين غابوا عن الانتخابات.

الصامتون هنا هم الذين يرفضون الوضع الحالي، قد يكون بعضهم محبطا ولا أمل له في ظل صراع العسكر و«الإخوان» في قيادة مصر، وهو الصراع الذي يخشى البعض أن يتحول لحرب داخلية تحرق ما تبقى من مصر، العسكر وتجربتهم في حكم مصر بدأت من عبد الناصر القومي، الذي لم يجلب سوى فلسفة الانقلابات في الدول العربية والحروب الخاسرة التي دفع العرب ثمنها أرواحا وأموالا وأراضي عربية استلبت في وضح النهار، مع انهيار تام للاقتصاد المصري في حقبة عبد الناصر وما بعدها من حكم العسكر.

اليوم مصر تدخل في نفق تجربة الإسلام السياسي؛ التزاوج بين السلطة الدينية والدولة المدنية، هل هذا ممكن؟ ونحن أمة تحيط بنا تجارب الإسلام السياسي، بل وتقيدنا بين الحين والآخر وتجعلنا نتخوف من أي تجربة جديدة قد تعيدنا للوراء بضعة عقود أخرى، خاصة إذا ما كانت ترفع شعارات التصدير والاستنساخ في أماكن أخرى وتحاول أن تفرض نفسها كنموذج لا بد منه في عالمنا العربي والإسلامي.

كنت أتمنى أن يورق الربيع العربي دولة مدنية بمفهومها الحديث، أن يثمر دستورا ودولة لا تحكمها نزعات العسكر وفتاوى رجال الدين، ولكن في ربيع العرب باتت كل الأمنيات في مهب ريح لا أحد يعرف إلى أين تطير بنا.

قد يقول البعض إن للمصريين وجهات نظرهم، ولكن علينا أن نؤكد أن لمصر حضورا وتأثيرا في المنطقة العربية، مصر لديها حدود ملغومة مع إسرائيل، واتفاقية تتأرجح بشأنها الرؤى، ولها مشكلاتها الاقتصادية والاجتماعية، ونحن نعرف جيدا أن البعض عندما يريد أن يتخلص من مشكلاته يعمد لتصديرها للخارج، ولا نستبعد مطلقا أن يصدر «الإخوان» أزماتهم إلينا تحت لافتة قيام الدولة الإسلامية وحكم «الشرع»، أو تعكير صفو الأمن في المنطقة العربية عبر صناعة حروب، حتى وإن كانت محدودة، طالما أن حل الأزمات المصرية سواء الاقتصادية منها أو الاجتماعية مستعص في ظل حالة التدهور الكبيرة في شتى الميادين.

ما نريد أن نقوله إن الربيع العربي لم يستطع حتى الآن أن ينقلنا للدولة المدنية، كل ما فعله أنه رمى بدلة العسكر ونياشينها وارتدى عباءة المرشد وحمل مسبحة بيده.