«سيندروم» فيتنام!

TT

أكره الحروب العالمية والكونية والأهلية والفرعية. ما هذه الظاهرة البشرية المقسومة فقط إلى قسمين: قاتل وقتيل. دمار ولاجئين. أثرياء حرب وجوعى حرب. سفاحين وضحايا. خراب هنا وخراب هناك. لم أذهب إلى فيتنام لكنني كنت أكتب عنها كل يوم. وكنت إلى جانب الضحية كل يوم، مع أنني لم أكن يوما مع الشيوعية. لا شيء أسوأ وأفدح وأظلم من الحروب.. لأن معظم الضحايا لا علاقة لهم بالأمر. البسطاء يموتون والمجرمون في لاهاي يتذمرون من كثرة الملح في الحساء. زعماء الصرب لعقوا أنهرا من الدماء والآن يصرون على أن يكون حليب الصباح خاليا من الدسم.

كل رجل بدأ الحرب لم يكن يعرف من سوف ينهيها ولا متى.. لأن الحروب في التاريخ هي «مسيرة الحمقى» وفظاعة الغرور. ليندون جونسون قال لمبعوثه إلى فيتنام، هنري كابوت لودج «لا أريد هزيمة أخرى كما حدث لنا في الصين». تلقى وألقم أميركا هزيمة أفظع بكثير.

حاول شارل الحادي عشر غزو روسيا ولم يتعلم نابليون من هذه الحماقة، ثم جاء هتلر معتقدا أن ما لم تحققه الخيول سوف تنجزه الدبابات. كل واحد فكر في دراسة انتصاره ولم يفكر لحظة في دراسة هزيمة من سبقه. الأميركيون ظنوا أنهم ليسوا في ضعف الفرنسيين، فراحوا يغرقون في مستنقعات فيتنام حتى غطت الدماء جبينهم بعد عيونهم وآذانهم. رأى جون لوكاريه أن كتاب «برقيات» للصحافي الأميركي مايكل هير هو «أجمل كتاب قرأته عن الإنسان والحرب في زمننا». صدر الكتاب في المرة الأولى عام 1977 عندما كانت فيتنام لا تزال طرية في ذاكرة العالم كأحدث حماقة من حماقات غرور القوة.

كانت الولايات المتحدة قد حسمت الحربين العالميتين لصالح المعسكر الذي انضمت إليه. وقررت أن ترث الاستعمار القديم في كل مكان. لكنها واجهت في فيتنام شيئا لم يعرف في التاريخ من قبل. شيء كان يسميه الأميركيون «عصابات الفيتكونغ». ثم صاروا يسمونهم «مقاتلي الفيتكونغ». ثم «الفيتكونغ» ويكفي.

يقول مايكل هير في «برقيات» إن الناطق الرسمي في سايغون كان يبلغ المراسلين كيف أبيد مقاتلو الفيتكونغ وأحرقت غاباتهم حتى أصبحت فحما بلا دخان. ثم بعد شهر يظهر المقاتلون وهم أقوى من قبل: «لم يعد هناك وطن اسمه فيتنام بل صار مجرد حرب اسمها فيتنام».

تذكر مشاهد سوريا، أو ما يصل إلينا منها، ببرقيات الحرب في فيتنام. مدن تدمر وتحول إلى غبار ورماد يعلن استسلامها لقوات النظام وبعد أيام يتبين أن كل شيء بدأ من جديد. في البداية كان المقاتلون يسمون عصابات مسلحة ثم عصابات إرهابية مسلحة. ولكن بعد 16 شهرا صاروا «المسلحين». مؤسف أن سوريا دخلت الدوامة الفيتنامية، بدوائرها الخارجية والإقليمية والمحلية!