رحم الله عمي الأميركي

TT

قرأت للأستاذ سمير عطا الله، أن مدير مكتب حاكم الشارقة الشيخ سلطان القاسمي، اتصل به يسأله إن كان له أقرباء في ماليزيا، فلما استفسر الأستاذ سمير عن ذلك متعجبا، فهم من المدير أن هناك شخصا كتب للشيخ من (كوالالمبور) يطلب المساعدة ويدعي أنه قريب له.

طبعا اتضح في ما بعد أنه ليس هناك قريب للأستاذ ولا يحزنون، وكل ما في الأمر أنه مجرد خداع ومحاولة للتسلق على الأكتاف. صحيح أن هناك الكثير ممن يحملون لقب (عطا الله) منتشرين في كل البلاد العربية، لكنهم قد لا يمتون لبعضهم بعضا بأي صلة، مثلهم مثل الكثير من العوائل.

وقد كان لي موقف مشابه لذلك مع قليل من الاختلاف، إذ التقيت قبل سنوات في بلد أوروبي مع أحد الإخوة التوانسة، وما إن عرف اسمي الكامل حتى أعاد السلام عليّ مرة ثانية وهو يشد على يدي قائلا: «أكيد أن أصولك ترجع إلى تونس»، فقلت له: «يشرفني ذلك، لكن للأسف ليس هذا هو الواقع»، وعرفت لاحقا أن هناك في تونس عوائل تحمل لقب عائلتي نفسه، والسبب أنهم يقطنون في قرية يخترقها وادٍ يحمل هذا الاسم فتسمى به أجدادهم وآباؤهم. وفي السعودية نفسها هناك عوائل كريمة تحمل لقب عائلتي نفسه وليست بيننا وبينها أي قرابة، وغيرنا الكثير من العوائل بالعشرات إن لم يكن بالمئات.

على أي حال كلنا من آدم، وآدم من تراب.

وأذكر أن والدي، رحمه الله، حدثنا عن موقف حصل لوالده الذي كان حاضرا في مكة مجلسا للملك عبد العزيز، رحمه الله، أيام موسم الحج، وكان ذلك في أوائل الثلاثينات الميلادية. فالتفت الملك عبد العزيز إلى جدي وسأله: «هل هناك أحد من أقاربكم يا أحمد هاجر وذهب إلى أميركا؟!»، تفاجأ جدي، رحمه الله، من السؤال مثلما تفاجأ الأستاذ سمير، وعندما استفسر منه عن ذلك، قال له الملك إن الممثل الأميركي هنا قال له إن رجلا ثريا أميركيا من أصول عربية ولقبه (السديري)، قد توفي وترك ثروة طائلة، وبحكم أنه أعزب ولا أقارب له هناك فحسب القانون الأميركي لا بد أن يبحثوا عن أقاربه في موطنه الأصلي ليشاركوا الحكومة في جزء من هذه التركة الكبيرة.

ويقول الوالد إن أباه أجاب الملك بشكل سريع وحاسم قائلا: «(لا إن شاء الله)، ليس في عائلتنا أحد ذهب إلى أميركا، ولو أن (مهبولا) من عائلتنا قد ذهب إلى هناك فعلا فإننا نتبرأ منه (فلا نحن منه ولا هو منا)، ولن نلوث أيدينا (بدراهمه)».

بعدها (نطيت) وأنا أقول: «الله يرحم جدي، ليته ما استعجل». ثم اتبعتها قائلا لا شعوريا: «آه.. ليتني كنت في مكانه».

فالتفت لي والدي قائلا: «ما فيه فايدة، الظاهر أنك خلقت ماديا وسوف تموت ماديا».

والآن أنا أفكر في ذلك العم (السديري) الأميركي الثري العجوز والأعزب، وأتساءل وأجيب في الوقت نفسه: ما الذي أجبره على الهجرة؟!.. أكيد الفقر. كم هي ثروته؟!.. ليتني أعلم. لماذا ظل طوال حياته أعزب؟!.. أكيد إما أنه (خبّاص) أو يحمل مرضا ما أصابه بالعجز.

وعندما عرفت أن هذه الحادثة حصلت عام 1933، أخذت أفكر، لنفرض أن ذلك العجوز الثري توفي وعمره 80 عاما، وهاجر وعمره عشرون عاما، فمعنى ذلك أنه ركب الباخرة من أحد الموانئ عام 1883.

[email protected]