«حق الرد» مؤجل أم ضائع؟

TT

ما أشبه الليلة بالبارحة، هذا ما يتبادر للذهن عند سماع الكلمة التي ألقاها رئيس وزارة تركيا رجب طيب أردوغان أمام البرلمان التركي حول حادثة إسقاط الدفاعات السورية طائرة استطلاع تركية. أردوغان ذكر أن بلاده تعاملت مع الحادثة بكثير من الهدوء وضبط الأعصاب والنضج، وقاومت محاولات الاستفزاز التي تمارسها بعض الأطراف الإقليمية لجر تركيا إلى حرب، وأن بلاده تحتفظ بحقها في الرد وفقا للقانون الدولي. ثم لم ينس رئيس الوزراء التركي أن يذم بشار الأسد ويصفه بالديكتاتور وإدارته بالعدوانية.

هذه الصياغة تشبه ما صرح به بشار الأسد في عام 2007، عندما قام فريق كوماندوز إسرائيلي بالنزول في مدينة دير الزور في موقع «الكبر»، ليس على الحدود، بل في عمق الأراضي السورية، وكان متاحا لهم من الوقت على الأرض ما يكفي للتجول وجمع عينات نووية أثبتوا خلالها قيام سوريا بنشاط نووي بالتعاون مع كوريا الشمالية، لتكون هذه العينات دليلا يبرر الغارة التي نفذها سلاح الجو الإسرائيلي على الموقع في الشهر الذي يليه، أي أن إسرائيل انتهكت السيادة السورية مرتين خلال شهر واحد. الرئيس بشار الأسد علق على الحادثة بأن دولته تملك حق الرد على العدوان الإسرائيلي، وأن الرد لا يعني صاروخا بصاروخ وقنبلة بقنبلة، بل إن لديه أدوات ربما سياسية وربما بطرق مختلفة، وإنه إذا أراد الرد عسكريا فهذا يعني أنه سيعمل بحسب الأجندة الإسرائيلية وهو الأمر الذي لا يريده. ولم ينس هو الآخر أن يصم الإدارة الإسرائيلية بالعدوانية.

مرت السنوات، الواحدة تلو الأخرى، ولم يأت ميعاد الرد.

موقفان متشابهان لرجلين على رأس هرم بلدين تعرضا إلى اعتداء في توقيت ساخن لا يحتمل الدبلوماسية. لكن في كلتا الحالتين، عدم المبادرة برد فعل مكافئ واختيار الاحتفاظ بحق الرد لا يعني إلا عدم القدرة على الرد، أيا كانت الأسباب.

إن الخانة الضيقة التي وضعتها فيها سوريا، دليل على أن تركيا باتت في موقف دفاع عن نفسها، بينما ينتظر العالم منها موقفا دفاعيا عن جيرانها السوريين. حلفاء سوريا يقودون عملية تأخير سقوط النظام السوري باحترافية عالية، ليس فقط التأخير الزمني بل التأخير في المواقف. وقد استطاعوا تهدئة تركيا وامتصاص حماسها وتحويل لهجتها الشديدة إلى مجرد كلام.

من المستغرب أن تسمح دولة قوية مثل تركيا بمثل هذه التجاوزات الأمنية، فإن كان ترددها في الرد الملائم يتعلق بابتزازها من قبل إيران بتحريض عناصر حزب العمال الكردستاني لتنفيذ هجمات في الأراضي التركية، فإن المقاتلات التركية طاردت عناصر حزب العمال داخل الأراضي العراقية مرات عدة لا حصر لها بهدف تكوين جبهة هجوم تبعدها عن دائرة الاستهداف. إذا كان أردوغان ينظر إلى حزب العمال الكردستاني على أنهم عناصر تهديد لأمن تركيا، ويصمهم بالإرهاب، فهو ينظر اليوم إلى إدارة الأسد بالمنظار نفسه كما ذكر في كلمته أمام البرلمان التركي، لذلك من غير المفهوم أن يختار هذه المرة الوقوف خلف ظهر «الناتو» ليتخذ بالنيابة عنه إجراء الدفاع عن أراضيه.

القضية التركية اليوم ليست كما كانت قبل أسبوع؛ مطالبات بنصرة الثوار السوريين على حدودها، بل إن تركيا القوية اقتصاديا وتنمويا وسياسيا تواجه امتحانا صعبا في وزنها الإقليمي من الناحية الأمنية لأنها مطالبة أمام شعبها بحماية نفسها أولا، وحجة جرها لحرب إقليمية لا تكفي لتبرير تقاعسها وإقناع الرأي العام، الداخلي أو الخارجي، الذي يقف بكامل دهشته متأملا الدرجة العالية من الدبلوماسية التي تواجه بها تركيا اعتداء غاشما من نظام ضعيف، آيل للسقوط، لطالما كانت أراضيه عارية أمام الأعداء الإسرائيليين الذين كانوا يحلقون بطائراتهم فوق قصوره الرئاسية.

[email protected]