المعلم ما عم يفهم!

TT

في اجتماع عقده الرئيس السوري، بشار الأسد، مع أعضاء حكومته الجديدة التي شكلها مؤخرا، كان وجهه شاحبا ومصفرا، حركات يديه سريعة ومتوترة، ونبرة صوته عصبية وغير واثقة، ولكن اللافت في هذا اللقاء هو تفسيره «الأحدث» لما يحدث على أرض سوريا، فقال لوزرائه المغلوبين على أمرهم إن «سوريا في حالة حرب كاملة بكل ما تحمله الكلمة من معنى»، وهذا التفسير يأتي بعد الإنكار المبدئي أن هناك أزمة، ثم تحويل الأمر إلى أن الموضوع مؤامرة كونية، وبعدها أن الإرهاب الأصولي هو الذي يحارب سوريا، وبعد ذلك تم وضع شرح مبهم مبسط لكل ما يحدث بأن السبب في ذلك الأمر هو اعتداءات تقوم بها «جماعات مسلحة» لا وجوه لها ولا هوية لها ولا مرجع لها ولا صوت لها ولا دليل على وجودها، ولكن النظام السوري وبوقه الإعلامي ظل «يعلك» هذا التفسير مرات ومرات، حتى تحول الأمر إلى أضحوكة ونكتة سخيفة جدا.

لا يمكن الاستماع إلى تعليق الرئيس بشار الأسد وهو يعلن لإدارة حكومته وشعبه أنهم اليوم في حالة حرب كاملة، دون التنهد حسرة وأسفا؛ فهضبة الجولان محتلة عن طريق عدو معروف، وهو إسرائيل، لعقود طويلة من الزمن، وطائرات هذا العدو تخترق سماء سوريا وتعبث بأمنها الجوي، وتقوم استخبارات الموساد باغتيال شخصيات نافذة على الأرض السورية (وذلك بحسب التفسير السوري الرسمي فقط، وهي مسألة قابلة للشك)، كل ذلك وغيره يحدث دون أن تعلن سوريا حالة حرب على إسرائيل، بينما تجرأ النظام السوري على أن يعلن حالة الحرب على شعبه الذي قضى منه الآن (بالأسماء) أكثر من 17 ألفا، وتشرد أكثر من مليون منه بين مسافر ولاجئ، وهناك مائة ألف معتقل وستون ألف مصاب.

حالة الحرب التي يتحدث عنها بشار الأسد هي انشقاقات من جيش النظام الذي أنهكت معنوياته ولم يعد قادرا على الحرب داخل المدن، واكتفى بالصواريخ والطائرات والقصف المدمر العشوائي، فاليوم الجيش الحر وصل عدده قرابة الثمانين ألفا، والجيش الأسدي تزداد أعداد المنشقين منه نوعا وكما؛ فهناك كل أنواع الرتب العسكرية التي تنشق، من فريق ولواء وعميد وعقيد من كل القطاعات؛ المدرعات والصواريخ والقوات الجوية والمشاة والمخابرات، ومن كل المناطق الجغرافية، ومن كل الطوائف.

وهو الأمر الذي يفسر الجنون والهستيريا التي عليها النظام، واستخدامه لكل وسائل القمع والقتل، ليصل معدل القتلى الذين يقضون يوميا لأكثر من مائة شخص، والقتل يتم بشكل فيه من الوحشية الشيء الكثير. روسيا وإيران لا تزالان على قناعة بأن بشار الأسد وشقيقه ماهر وصهره آصف شوكت قادرون على حماية سوريا، وأن «هذا النظام» يجب أن يبقى، ولا يمكن مع ذكر إنجازات هذا الثلاثي المهضوم وما فعلوه بسوريا إلا التنهد، والقول: «شو موفقين هالولاد». الحرب التي يتحدث عنها بشار الأسد هي حربه ضد شعبه الذي قام ضده ولن يعود حتى يرحل هو ونظامه. هذه هي الحقيقة!

[email protected]