قبل وبعد وبين بين

TT

انتهى العمل بقانون الطوارئ في مصر في مايو (أيار) الماضي في نبأ صغير وغير ملحوظ في الصحف الداخلية. فقانون الطوارئ لم يؤثر شيئا في عودة 25 يناير (كانون الثاني). لم يمنعها ولم يحدها ولم يحم في شيء النظام الذي فرضه منذ 30 عاما. وفي سوريا سارعت الإصلاحات الشديدة الوضوح إلى إلغاء قانون الطوارئ، فكان أن قتل بعد إلغائه أكثر من 12 إنسانا، ودمرت المدن والقرى والنفوس.

إذن، لماذا ارتعدت الناس، طوال عقود، من أحكام قانون الطوارئ الذي برر بضرورات الحرب مع إسرائيل؟ لم تخض مصر وسوريا حربا مع إسرائيل منذ 1973، التي سماها المصريون «6 أكتوبر» وسماها السوريون حرب «تشرين» وأنشأوا صحيفة تحمل الاسم نفسه. ولكن قانون الطوارئ أسكت الذين قد يخطر لهم التساؤل: لماذا لم تعد هناك حرب ضد إسرائيل؟

استغل قانون الطوارئ في إسكات أهل المد القومي. وبرر توسيع السجون. وأغمض الحركة الفكرية. وغطى الحروب التي خاضها العرب على جبهات كثيرة، كلها جبهات عربية، وخصوصا الحروب ضد الفلسطينيين أو بهم.

من السنغال إلى مكة إلى القاهرة يجري الفلسطينيون محادثات المصالحة. على ماذا يختلفون حقا؟ لقد اتهم الفلسطينيون الأردن ولبنان والكويت بالتآمر على وحدتهم. من يغذي المؤامرة الآن؟

عندما تتم المصالحة بعد قرون من الآن (عذرا على التفاؤل) هل سوف يتذكر الفلسطينيون على ماذا كانوا يختلفون؟

ثلاثون عاما من الطوارئ، ونصف قرن من كل الانقسامات، وثورة ضد الثورة، وثورة تصحح الثورات، وثورة من أجل الانتخابات، وثورة ضد الانتخابات، ودعوة إلى المباريات، ثم إحراق الأرض بسبب نتائجها. ما هو الثابت إذن؟ ماذا نريد حقا؟ ماذا يمكن أن نقبل؟ إذا كان الرأي والرأي الآخر ملاكمة بأدوات حادة بين الرأي والرأي الآخر، لماذا عذاب القلب؟

تعالوا نتفق على فترة زمنية للوصول إلى ما نسميه العدالة والحرية وتقبل وقائع حياتنا: بعد خمسة قرون من الآن قد يقتنع أحفادنا أخيرا بأن الإبادة ليست حلا. الاستمرارية هي الحل. المؤسسات هي الحل. قانون الطوارئ لا تقبله سوى الشعوب السباتية التي تكره اليقظة لكي لا تشاهد ما هو أكثر فظاعة من الكوابيس.

عالم عربي يسكن عند إشارة المرور. حكوماته تبلغه كل يوم أنه لا بد من الطوارئ لأنه ليس أهلا لأن يكون مواطنا. وعندما ترفع عنه الطوارئ تنطلق عليه النار بداعي مخالفة قوانين المرور وأصول الغناء. لقد ضبط الفاجر يحاول التغريد مثل البلابل بدل الجثو مثل المواطن الصالح.