حكومة النهار

TT

هناك ظاهرة مخيفة ومقلقة سوف نعايشها لفترة طويلة في أنظمتنا العربية وهي ظاهرة «الحاكم الواجهة»، أي الحاكم الذي يبدو وكأنه يحكم من على السطح، لكنه في حقيقة الأمر هو أداة يتم تحريكها من الخلف من قبل قوى خفية.

هذه الظاهرة تعتمد على «الحاكم» الذي يبدو وكأنه ممثل للشرعية التي جاءت عبر طريق ديمقراطي وشعبي، لكنها في حقيقة الأمر تخدم مصالح ورغبات قوى أخرى في المجتمع تدير أمور البلاد من خلف الستار. وهذه الظاهرة هي ظاهرة التوقف عن «الحكم» والاعتماد على «التحكم». بناء على هذه النظرية ليس مهما أن يكون حزبا أو جماعة أو أداة أمنية هي التي تحكم بشكل علني ومباشر، الأهم الآن، هو قيام قوى أخرى يلعب دور الواجهة الموثوق فيها لأداء هذا الدور.

ولعل التصريح الأخير الذي أدلت به نبيلة منيب الأمينة العامة للحزب الاشتراكي الموحد المغربي المعارض لهذه الجريدة هو خير تعبير عن هذه الفكرة.

قالت السيدة نبيلة وهي تنتقد أداء حكومة عبد الإله ابن كيران: إن هناك حكومة نهار وليس حكومة ظل في المغرب هي التي تتخذ القرارات الأساسية، في حين أن سلطة حكومة ابن كيران محدودة جدا.

وفي دول الربيع العربي، تظهر الآن حالات متعددة من حكومات أو زعامات هي في حقيقتها «تنويعات جديدة على لحن قديم في الحكم»، تقوم بالدور البديل لذات النظام القديم. باختصار نحن أمام تغليف جديد لبضاعة قديمة ورديئة وفاسدة، وبالتالي هي تمثل حالة صارخة من حالات الغش التجاري للمستهلك العربي!

لعبة «التحكم» عن بعد في نظام الحكم مورست بقوة في بلدان كثيرة في أميركا اللاتينية وأفريقيا وكانت النتيجة النهائية هي انكشاف اللعبة والوصول إلى وضع كارثي يقضي بنهاية النظام الأصلي والبديل معا.

نحن في عالم لا يمكن فيه «الضحك على العقول» وخداع الجماهير، لأن وعي الشارع أصبح فيه أكثر عمقا من وعي النخب الطامحة في الحكم.

لا يمكن أن تنجح لعبة نظام الحكم المصنوع في «تايوان» كبضاعة تبدو جديدة يمكن بها خداع الجماهير.

الحكم إما صالح أو فاسد، يؤمن بالشعب أو بالأجهزة القمعية، يؤمن بتداول السلطة أو بالحكم الأبدي.

لا يوجد نصف ظالم، وربع عادل وثلاثة أرباع ديكتاتور.

وصلنا إلى المربع الأخير، إلى لحظة الصدق التاريخية التي يستحيل فيها خداع الجماهير.

لا يمكن أن يكون هناك من يحكم بالليل، وآخر يحكم بالنهار.